يبق من الأزهريين من يربي أبناءه تربية دينية وهو يجد الوسيلة إلى تربيتهم على الطريقة المدنية. . . أليس لهذا المسلك من المعاني ما يوجب التفات من يسجلون التطورات الإجماعية؟ أليس هذا بشيراً أو نذيراً بأن الأزهر يريد أن يتحول؟
وما يقال في الأزهريين يقال في كثير من الطبقات: فالمدرسون في جملتهم لا يرضون أن يصير أبناؤهم إلى احتراف التدريس، كأنهم يتوهمون أنه مهنة لا تمنح صاحبها أهلية الغنى والمجد. فكيف يؤدي المدرس واجبه تأدية حسنة وهو ينظر إلى مهنته بعين الاستخفاف؟
والموظفون الذين ينشرون الثقافة الزراعية عن طريق المقالات والمحاضرات لأبنائهم أن يكونوا فلاحين، ومع أن الفلاحة هي أساس الثروة المصرية.
يجب أن تؤمن كل طبقة بأنها شريك أمين في الهيئة الاجتماعية. ويجب أن نحترم جميع أعمالنا احتراماً يصل إلى الحب لنتذوق طعم القيام بالواجب في صدق وإيمان، ولنسترد ما أضعناه من المنافع بسبب الفهم الخاطئ لاختلاف الطبقات، وهو اختلاف لا يتم بدونه وجودٌ صحيح.
أما بعد، فهذا مقال لم أرد به غير وجه الحق. وأنا أدعو جميع الكتّاب إلى الاهتمام بأمثال هذه الشؤون في صراحة لا يصدها تهيب ولا احتراس، وليثقوا بأن الشعب المصري يقبل جميع الآراء ما صدرتْ عن نزاهة وإخلاص.
الشعب المصري لم يخذل داعياً من دعاة الحق، ولم يصمْ أذنيه مرة واحدة عن كلمة الصدق، فقد استجاب لجميع المصلحين، وحفظ لهم منازلهم في التاريخ، فما تهيُّبُ بعض الكتاب من عرض ما يجيش في صدورهم من الآراء الصحاح؟
أقدموا غير هَّيابين. فما فاز غير المزوَّدين بفضيلة الشجاعة ونعمة الإيمان.