للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مساجد في نفسه حينما جاء الشرق (سنة ١٨٧٣) مادحاً هدوءاً وخشوعاً وسكينة فيها، وهاجياً ضجيجاً وعجيجاً وشعبذة في معابد أقوام وملة سماهم وسماها، ولا أرى أنا أن أسميهم أو أسميها قي هذا المقام حتى لا يغضب أصحاب لنا وأحباب.

وغوث مطوق بفضل علمه وأدبه أجياد جميع الجرمانيين، ولم يتفلت من قيد إحسانه متفلت منهم. فكل جرماني - كما يقول أحد الجرامنة - إما أن يكون قد درس مؤلفات غوث فاستفاد منها، أو استفاد ممن درس مؤلفات غوث. ففضلُ (ذي المنقبتين) قد عم القوم قاطبة - عموماً.

وإن شئت فقل: إن أمة غوث تتلو صحفه كما يتلو أهل الحنيفية (الكتاب) وكما يقرأ القراءون من اليهود والنصارى التوراة والإنجيل.

وكتبه عند الجرمانيين ثروة كريمة جسيمة، وقد أربت على أكثر من مأتي مؤلف.

وغوث هو شائد الوحدة الجرمانية الحق؛ فلغته وأدبه هما اللذان جمعا كلمة أولئك الأقوام المتفرقة، وألفا بين قلوبهم المتوزعة.

ولو أقامت (سياسة بسمرك) ألف سنة تجد في الضم والتأليف ما ألفت بين قلوبهم، ولكن غوثا ألف بينهم. إن سلطان الأدب والأديب واللغة في الأمم لقوى عظيم.

وصيت هذا العبقري ومكانته في غير أمته من الغربيين مثلهما في أمته. وخلقه العالي وفضائله أعظم من شعره العجيب وعلمه. قال له كبير ذات يوم: يا غوث، لقد أفاد الناس سلوكك، وسيرتك أكثر مما استفادوا من علمك وأدبك. وأدبه وعلمه هما ما علمت.

وإن بلاغة غوث وبراعة شكسبير لتعجزان عن أن تبينا فضائل تلك السيرة مزاياها وعجائبها، فالجأ إلى التوهم واسجن في عالمه.

وقال نابليون بونابرت وهو يومئ بيده إلى القطب الغوث (غيث): هذا رجل!

ولو أنصف هذا الملك لقال: هذا ملك.

إنما غوث ملك: ما هذا بشراً، إنْ هذا إلا مَلكٌ كريم! وإن غوثاً وأمثال غوث من العبقريين العظيميين الكرام الكاتبين الكاملين، لمستغنون جد مستغنين عن شهادات الممجدين وإطراء المطرين من النابوليين وأشباه النابوليين.

إنه الشمس تبدت ضحوة، نورها الباهر خير الشاهدين. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>