بعد هذا النجاح النسبي الذي ناله، ولكن اليونان فهموا أن هزيمة جيشهم في الثرموبيل قد قضت على خطتهم الدفاعية وجعلتهم يخافون على قواتهم من الفناء، من أجل هذا تراجعوا نحو الجنوب لأن هذه الفرصة الوحيدة لإنقاذ جيشهم وللاحتفاظ به للمستقبل.
من هذا يتبين أنه لم يكن لثيموستوكل موقف ظاهر واضح في هذه المعارك وعلى الأخص في الحملة البرية الأولى عند أرض ثمبي، وفي الحملة البحرية الأولى عند رأس الأرثيميزيون، ولكنه بالرغم من ذلك موقف عظيم الخطر والأهمية، لأنه كان هو الروح الذي ينبعث في الجيش الحمية والحماس، وفي الأسطول الرغبة والإقدام على الهجوم، إذ كان يقف إلى جانب القائد الإسبرطي موقف المرشد الناصح الأمين الذي يجعل مصلحة بلاده فوق أي اعتبار. وكان هذا القائد الإسبرطي يوافق على آرائه بالرغم مما فيها من خطورة وجرأة؛ لأنه كان ينصح دائماً بالهجوم، سائراً على هذا المبدأ الذي أخذ به نابليون من بعده وهو (الهجوم خير وسيلة للدفاع)؛ وكان إلمامه التام بحالة الفرس وبحالة اليونان خير مشجع له للإقدام على الهجوم؛ فهو يعلم أن اليونان أقلية في العدد بالنسبة للفرس - ولكنهم أكثرية في نواح أخرى - إذ كانوا أكثر تجانساً من أعدائهم، (فلم يكن بينهم نفر من الأجانب، على حين أن جيش الفرس يتكون في أغلبيته من أفراد الشعوب العديدة الخاضعة لهم) واكثر اتفاقاً فيما بينهم، فهم يحاربون بطوعهم واختيارهم لأن مثلهم الأعلى هو المحافظة على استقلال بلادهم وإحاطة حريتهم وحرية بيوتهم وعائلاتهم وأراضيهم بسياج من المنعة والقوة. أما الفرس أعداؤهم فإنهم يسيرون بالسياط ويحاربون مجبرين، لا لتحقيق مثل أعلى وإنما تنفيذاً لرغبة عاهل جبار استحوذ الطغيان منه على فؤاده واستولى الكبر على قلبه وعقله حتى شبه نفسه بالآلهة، فساق هذه الجموع الزاخرة سوق الأنعام والماشية. ثم إن اليونان بعد هذا وذاك يفوقون أعداءهم في الأسلحة التي كانوا مجهزين بها وفي القيادة التي كانوا يخضعون لها. وإلى جانب ذلك كله كان تيموستوكل على علم تام بحركات الأعداء، يوقفه عليها هؤلاء الجواسيس ونقلة الأخبار الذين كان يبثهم بين أعدائه مثل هذا الملاح الماهر سكيلياس الذي أتى له بمعلومات عن الأعداء قبل موقعة الأرثيميزيون؛ فأوقفه على ضعف الروح المعنوية فيهم، وعلى انعدام المثل الأعلى بينهم، وعلى عدم الانسجام بين وحداتهم المختلفة، وعلى التنافر بين عساكر الجيش والأسطول