الأحرار أن يعلنوا قيام الجمهورية، وان يقيموا الحكم الجمهوري مدى عام (سنة ١٨٧٤)، وكان هذا أول ظفر حقيقي للديمقراطية الإسبانية، ولكنه كان ظفرا خلبا، لان العناصر الرجعية لبثت قوية تعمل لاسترداد سلطانها. وكانت إسبانيا تعاني في نفس الوقت مصائب الحرب الأهلية، لان الدون كارلوس وأنصاره انتهزوا فرصة الاضطراب العام ليحاولوا انتزاع العرش فوقعت الحرب الكارلية الثانية (سنة ١٨٧٢)، ولبثت نحو أربعة أعوام تمزق أوصال الأمة، ثم انتهت أخيرا بسحق قوى الدون كارلوس وفراره إلى فرنسا. وعندئذ أعلن الفونسو الثاني عشر، وكان عندئذ طالبا يدرس في إنكلترا - انه ملك إسبانيا الوحيد، واستمر أنصاره في الداخل يدبرون له سبيل العودة، حتى استطاع أن يعود وان يجلس على عرش إسبانيا سنة ١٨٧٥، وهو فتى لا يجاوز السابعة عشرة، وكان الفونسو الثاني عشر رغم حداثته يتمتع بخلال ومواهب طيبة، فاستطاع بمعاونة وزيره الشهير شاروفاس دل كاستيلو ان يقمع الفوضى وان يعيد الأمن والنظام، وان يقوم بإصلاحات واسعة المدى. وتنفست إسبانيا في عهده الصعداء، وتمتعت بفترة من السكينة والرخاء. ولكن الموت لم يمهله فتوفي شابا في السابعة والعشرين من عمره سنة ١٨٨٥، وترك أرملته حاملا، فوضعت بعد وفاته ولدا سمي بالفونسو الثالث عشر، واعن منذ مولده ملكا لإسبانيا وعينت أمه الملكة ماريا كرستينا وصية للعرش.
كان الفونسو الثالث عشر خاتمة لتلك السلسلة الحافلة من ملوك قشتالة الذين لبثوا قرونا يحاربون العرب والإسلام في إسبانيا والذين قضوا بعد طول الجهاد على الإسلام والحضارة الإسلامية في إسبانيا. وكان وريث ملوكية عريقة كانت مدى حين تفوق جميع الملوكيات أل أوربية في العظمة والبهاء، وتبسط سلطانها ما وراء المحيط على قارة بأسرها. ولكنه لم يرث من ذلك التراث العريق الباذخ سوى بقية واهنة مضعضعة. كانت الملوكية الإسبانية في الواقع تطوي مرحلتها الأخيرة في بطئ، وشاء القدر أن يكون مصرعها على يد الفونسو الثالث عشر آخر ملوك قشتالة.
تولت الملكة ماريا كريستينا زمام الأمور حتى يبلغ ولدها اشده. وكانت مهمة شاقة، لان الأمور لم تكن قد استقرت بعد، ولكن الملكة الأرمل استطاعت أن تعمل في جو من العطف سواء في الداخل أو في الخارج، فهدأت الخواطر وتحسنت الأحوال نوعا. وكان اعظم