لم ينل تيموستوكل بسهولة هذا القرار القاضي بإلزام الأسطول اليوناني ساحل جزيرة سلامين الشمالي وإنما ناله بعد كبير عناء، لأن اليونان كانوا مترددين جد التردد في التزام هذا المكان. وكان القائد الأعلى وهو إيريبياد متردداً هو الآخر، بلغ تردده حداً عظيماً لأنه كان غير واثق من النصر من ناحية، ولأنه كان يريد التراجع نحو الجنوب للدفاع عن بلاده وهي شبه جزيرة البيلوبونيز من ناحية أخرى. وقد عقد القواد ثلاثة مجالس حربية ظهر فيها هذا التردد بأجلى معانيه، لذلك لم يكن أمام تيموستوكل إلا أن يسلك سيبل التهديد والوعيد، فهدد بترحيل العائلات الأثينية إلى بلدة سيريس في جنوب شبه جزيرة إيطاليا واتخاذها مقاماً للأثينيين جميعاً. وهم بهذه الهجرة يتركون الإسبرطيين وبقية اليونان وحدهم، فلم يستطع القائد الإسبرطي بعد هذا إلا أن يسلم بوجهة نظر تيموستوكل وهو صاغر للنصيحة ومستسلم لهذا الإرشاد، آملاً انتهاز فرصة مقبلة لتنفيذ رأيه القاضي بالتقهقر والتراجع، وهو قد رأى هذه الفرصة قد أقبلت حينما علم بحركات الأعداء وقرب إقدامهم على الهجوم، فعزم على التراجع نحو الجنوب من جديد. وتفسير ذلك أن أجزرسيس عاهل الفرس جمع قواده في فالير واستشارهم فيما يجب أن يتخذوه من أمر لأنفسهم في هذه المعركة، فأشاروا كلهم بضرورة الهجوم ما عدا الملكة أريتميز ملكة الدوريين في جنوب غرب آسيا الصغرى، وحجتهم في ذلك أن المكان ضيق فهم يستطيعون إذن القضاء على أسطول اليونان إذا ما هاجموه هجوماً عنيفاً، وقد غاب عنهم أن المكان ضيق لا يبيح لهم القيام بحركات تطويق أو التفاف أو انقضاض، وإنما يحتم عليهم أن ينبسطوا انبساطاً، وبذلك تنعدم الفائدة عن التجمع والتركيز فيسهل لسفن الإغريق الصغيرة الحجم أن تتسلط على سفنهم الكبيرة فتحاصرها في هذا المكان الضيق وتصليها ناراً حامية.
ولكن من أين لتيموستوكل هذا الهجوم وهو يكاد يكون الفرصة الوحيدة التي تجبر اليونان على التزام أماكنهم وإجبارهم على القتال؟ لم يجد تيموستوكل أمامه إلا المكر والخداع، وذلك بأن يحث الفرس على المضي في حركاتهم الهجومية، بل والإسراع فيها، فأرسل إلى ملكهم رجلاً من أتباعه يثق فيه كل الثقة - هو الخادم سيكينوس - لإبلاغه أن اليونان يحاولون الهرب من المضيق نحو الجنوب، ولإيقافه أيضاً على حالة اليونان وتصويرها