للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أنها تنم عن انقسام في الرأي وتشعب في المصالح واختلاف في الرغبات؛ فإذا أراد القضاء التام على أسطول اليونان فليس له إلا أن يقوم بهجومه هذا، بل ويسرع فيه؛ وقد اقتنع ملك الفرس بهذا الرأي، ووقع في الفخ وأسرع في الهجوم، فاضطر اليونان إلى أن يلزموا أماكنهم ولا يبرحوها، وبذلك نجح تيموستوكل في حمل اليونان على البقاء في مضيق سلامين والقتال فيه!

ثم التحم أسطول الفرس بأسطول اليونان، وانتصر اليونان انتصاراً عظيماً كان له دوي هائل في البلاد المتحضرة حينذاك، وليس لنا أن نتحدث هنا عن تفاصيل هذه المعركة البحرية الحاسمة التي كان لها شأن في تقرير مصير بلاد اليونان لمدة قرنين على أقل تقدير، وإنما لنا أن نقرر هنا أن الفخر في إحراز هذا النصر الحاسم إنما يرجع أولاً وقبل كل شيء إلى تيموستوكل القائد الأثيني العظيم. من أجل هذا، لا نعجب إذا علمنا أن جائزة عظيمة منحت له لجسارته وشجاعته وحسن توجيهه للمعركة.

وهذه المعركة تعد في نظرنا أهم عمل أتاه تيموستوكل في حياته فهي من المعارك الحاسمة في التاريخ، إذ على إثرها زال الخطر الفارسي عن بلاد اليونان أو كاد؛ وقد كانت هزيمة الفرس شنيعة جداً، وبقدر ما كانت هذه الهزيمة ساحقة، بقدر ما كان نصر اليونان عظيماً وحاسماً. ولقد اضطر أجزرسيس بعد ذلك إلى ترك بلاد اليونان، ورجع إلى بلاده في غير إبطاء ولا تمهل، لأنه كان يخشى عواقب هذه المعركة، ومر بمضيق الهيلليسبونث، وهناك رأى الجسور التي كان قد بناها من قبل قد اقتلعتها الزوابع والأعاصير، والشعوب التي كان قد أخضعها وهو في طريقه إلى أثينا قد قامت بالثورة ضد سلطانه ونفوذه؛ فلم يجد أبداً من أن يترك ببلاد اليونان جزءاً من جيشه للاحتفاظ بسلطان الفرس على هذه البلاد، ولانتهاز فرصة ربما تسنح في المستقبل للتغلب على اليونان.

أما اليونان، فقد انقسموا على أنفسهم بعد زوال الخطر عنهم، فاعتقد الإسبرطيون كما سبق أن اعتقدوا من قبل هم وغيرهم من بقية اليونان بعد موقعة ماراتون، أن معركة سلامين نهائية، لا يجسر الفرس أن يأتوا بعدها إلى بلادهم لغزوها. ورأى الأثينيون غير هذا الرأي، إذ كانوا أكثر من الإسبرطيين حصراً وتبصراً بعواقب الأمور، فاعتقدوا أن الفرس لا شك سيعيدون الكرة من جديد، وقد كانوا على حق في ذلك، لأن الفرس لا زالوا ببلاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>