اليونان يأتمرون بإمرة قائدهم ماردونيوس الذي قادهم في العام التالي إلى موقعة (بلاثية)، وفيها التحموا بالجيش اليوناني وعلى رأسه الإسبرطي بوزانياس، وكان أن انتصر اليونان من جديد، وكان الانتصار عظيماً أيضاً.
ولقد أسهبنا في الحديث عن مقدمات معركة سلامين لأن النصر فيها راجع إلى تيموستوكل قبل أن يرجع إلى أي شخص آخر، ولم نخض في تفصيلاتها الحربية التي لها مجال آخر غير هذا المجال وكنا مضطرين اضطراراً إلى هذا الإسهاب لأن هذه المعركة من أهم المعارك التي أثرت على عقلية اليونان، ذلك أن اليونان لضعف أمرهم ولصفو شأنهم لم يؤلموا أن يحرزوا هذا النصر الحاسم ضد أكبر دولة قوية في هذا العصر وهي دولة الفرس لذلك كان هذا الانتصار انقلاباً عظيما في بلاد اليونان ووضعها بالنسبة للدول الأخرى، من أجل هذا قويت نشوة الفرح والسرور عندهم وزادت ثقتهم بأنفسهم؛ وكان لهذه المعركة أيضاً دوي عظيم وتأثير كبير على العقلية اليونانية إذ ألهمت أحد كبار الشعراء وهو (إشيل) فجعلته يكتب، وقد كان شاهد عيان للمعركة، وتراجيدية رائعة هي تراجيدية الفرس في أسلوب قوي فتان رفع من شأن اليونان وقوى الثقة بأنفسهم بقدر ما وضع من أمر الفرس وعاهلهم (أجرزسيس) فزادت حماسة اليونان وقوي شعورهم بأنهم أصبحوا دولة جديدة سيكون لها شأن خطير في التاريخ. لذلك كانت هذه المعركة بداية لعصر جديد هو عصر ازدهار الحضارة الإغريقية وفيه وصلت الآداب اليونانية إلى القمة وتطورت العلوم والفنون، بل ونظم الحكم التي حققت ما ترنو إلى تحقيقه الحضارة الأوربية الحديثة من حرية ومساواة، فكانت الديمقراطية الأثينية في عصر بركليس وكانت الآداب اليونانية في عهد إشيل وسوفوكليس.
واعتزت أثينا بعد ذلك بهذا النصر، فاعتبرها اليونان صاحبة الفضل في إبعاد الخطر الفارسي عنهم، فالتفت حولها الدويلات اليونانية الصغيرة وعلى الأخص البحرية منها التي توجد في بحر إيجه وطلبت إليها أن تدافع عنها ضد غزوات الفرس وتهديداتهم، فكانت هذه الحركة بداية لتكوين حلف ديلوس الشهير، وهو أساس الإمبراطورية الأثينية في القرن الخامس قبل الميلاد.
ونحن لا يهمنا بعد أن بينا فضل تيموستوكل على هذا النحو، أن يحاول هيرودوت أبو