للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التاريخ الغض من شأن تيموستوكل والإقلال من أمره، فكل ما أثاره حوله من ريبة وشكوك لا نثق فيه مطلقاً. وقد عرفت أيها القارئ الكريم من المقالة الأولى أن هيرودوت كان شديد التحامل على بطلنا هذا حتى قسا عليه قسوة شديدة. والغريب أن هيرودوت يتهم تيموستوكل بالخيانة العظمى نحو قومه، ويحاول أن يقنعنا بأنه أرسل إلى ملك الفرس من يخبره بأنه لن يتعقبه هو وأسطوله، بل على العكس من ذلك سيحتفظ بالأسطول اليوناني في جزيرة سلامين، وليس هناك من شك في أن كلام هيرودوت مناقض للواقع. صحيح أن الأسطول لم يتعقب الأسطول الفارسي أثر الموقعة مباشرة. وسبب هذا راجع إلى أن اليونان كانوا في غفوة هي غفوة الانتصار، ذلك أن الانتصار كان عظيماً جداً بحيث أدخل على قلوبهم الفرح والسرور فلم يصدقوا أنفسهم أنهم أحرزوا هذا النصر الحاسم، ولكنهم بعد أن أفاقوا من هذه الغفوة تعقبوا الأسطول الفارسي حتى جزيرة أندروس فوجدوه قد لاذ بالفرار فلم يعد بإمكانهم الالتحام به لإبادته والقضاء عليه؛ ونحن نرد هذا الاتهام أيضاً لأن أعمال تيموستوكل خير شاهد على أنه كان يخدم وطنه بصدق وإخلاص، فقد كان هو الوحيد الذي عمل على أن يلزم الأسطول اليوناني سواحل جزيرة سلامين للدفاع عن الأسر اليونانية المكدسة في هذه الجزيرة وعن أرض الوطن المقدسة، فكيف يجوز لعقولنا إذن أن تصدق، إن كان لها منطق سليم تفكر به أن بطلاً قومياً هذا شأنه في العمل على القضاء على عدوه بكل الطرق والوسائل يخون قضية وطنه وهو لم يدخر في سبيل ذلك وسيلة إلا اتخذها كالمكر والخداع حينما أوقع ملك الفرس في فخه فأوهمه أن اليونان ينقسمون على أنفسهم وعلى وشك الهروب من المكان الضيق الذي كانوا به عند سلامين بعد ما علموا من بدء تحرك الفرس وإقدامهم على الهجوم، مما حفز عاهل الفرس على الإسراع في هجومه، وكان هذا الإسراع من أسباب فشله، ومن العوامل التي ساعدت تيموستوكل واليونان على إحراز هذا النصر الحاسم.

ليس هناك من شك في أن تيموستوكل بطل يوناني عظيم خدم القضية اليونانية بكل صدق وإخلاص؛ وهو وإن كان قد تخلى عن هذه القضية القومية فإن ذلك كان يعد موقعة سلامين وهو لم يلتجئ إلى هذا إلا بعد خطوات، إذ الواقع أن سياسته تطورت جد التطور، فبعد أن كان يأخذ صف اليونان ويدافع عنهم بشدة، نجده يسير رويداً رويداً نحو جانب الفرس حتى

<<  <  ج:
ص:  >  >>