أوائل سنة ١٩١٧. ولزمت إسبانيا الحياد أثناء الحرب، واستفادت من حيادها فوائد تجارية واقتصادية جمة وتمتعت بفترة من الرخاء الحسن، وكان الرأي العام الإسباني يتراوح بين تأييد الحلفاء وتأييد ألمانيا. فالأحرار وأحزاب اليسار تميل مع الحلفاء، والأحزاب المحافظة ورجال الدين يميلون مع ألمانيا. وكان السلام الذي تمتعت به إسبانيا خلال الحرب نعمة سابغة وعاملا كبيرا في استقرار شئونها وأحوالها.
وفي أواخر سنة ١٩١٧ تحركت أحزاب اليسار (الأحزاب الاشتراكية) كرة أخرى، ودبرت إعتصابا عاما في جميع إسبانيا. وكانت الديمقراطية ترمي بهذه المحاولة إلى تحطيم النظام القائم، وإقامة جمهورية أسبانية ديمقراطية، ولكنها أخفقت في تدبيرها واستطاعت العسكرية ان تسحق الثورة في مهدها. وكانت العسكرية تتطلع دائما إلى فرض نفوذها وسلطانها على شؤون الحكم، وكانت ترى من حقها بعد أن أنقذت الملوكية والنظام القائم من ثورات الديمقراطية غير مرة، أن تستاثر هي بالسلطة، وان توجه سياسة البلاد طبقا لرأيها، وقد استطاعت في الواقع ان تحقق هذه الغاية إلى حد كبير على يد الوزارة المحافظة التي قامت يومئذ برياسة السينور جارسيابريثو، وتولى فيها وزارة الحربية رجل من رجال العسكرية هو الجنرال لاتشيرفا، ولكن هذا الطغيان العسكري لم يطل يومئذ أمده لما أبداه لاتشيرفا من عجز وصلف؛ فسقطت هذه الوزارة المسيرة؛ والفت وزارة حرة برئاسة الكونت رومانيوس (ديسمبر سنة ١٩١٨)؛ وعلى يد هذه الوزارة التحقت إسبانيا بعصبة الامم التي كانت يومئذ معقد كثير من الآمال والأماني. ولكن الوزارات الحرة كانت تصطدم دائما بعثرات وصعاب جمة سوداء من جانب العرش، وقد كان يؤثر دائما جانب الطغيان والقمع ويعتمد على مؤازرة العناصر الرجعية والعسكرية والدينية، أو من جانب العسكرية وقد كانت ترهق بضغطها كل حكومة لا تذعن بإرادتها ووحيها. فسقطت وزارة رومانيونس، وخلفتها وزارة محافظة برياسة السينور مورا، ثم وزارة محافظة أخرى برئاسة السينور توكا، وكانت هذه الوزارة الأخيرة وزارة قوية مستنيرة، ولكنها اصطدمت بإرادة العسكرية ولم تذعن لها، فاستقالت مرغمة، ولكن المحافظين استمروا في الحكم أيضا أولا على يد السينور سلازار ثم على يد زعيمهم السينور داتو الذي ألف الوزارة الجديدة في مايو سنة ١٩٢٠. وكانت إسبانيا ترزح يومئذ تحت خطبين عظيمين: أولهما اضطرام الثورة في قطلونية، وثانيهما