إن واضع القصة قد سهل لنا أن نعرف خطأ المندد الزجار، لأنه أظهر لنا أن التدخين لم يحل بين الرجل المدخن وبين ملك العمارة التي تساوي تكاليف التدخين في ثلاثين سنة
ولكننا نفرض أن الرجل لم يكن مالكها؛ فهل يكون حتماً لزاماً أنه من المخطئين وأن لائمة المتصلف على صواب؟؟
إذا قيل نعم أنه لمن المخطئين لأنه فقد عمارة كان في وسعه أن يجدها أمامه، فلماذا لا يقال أن العمارة كانت مفقودة في السنين الثلاثين ولم يكن موجوداً في حسه غير لذة التدخين؟؟
نعم إن لذة التدخين لا تجتمع لبنة فوق لبنة، وطبقة فوق طبقة، وجداراً إلى جانب جدار؛ ولكن إلا يوجد الشيء إلا إذا لمسناه لمس الجدران؟ ألا يكون له أثر إلا إذا صدمنا في الطريق كما تصدمنا العمارات؟ ألا يجوز أن لحظات التدخين قد هيأت لصاحبها فرص ارتياح وثمرات حساناً من ثمرات الحياة؟ ألا يجوز أنها أرضته حيث كان وشيكاً أن يغضب؟ وأسلست آراءه حيث كانت وشيكة أن تختلط وتتعقد؟ وشجعته على العمل حيث كان وشيكاً أن يتهاون ويتراجع؟ ألا تحسب هذه اللحظات في ثلاثين سنة لأنها لا تقاس بالمتر ولا ترصد بالأرقام؟؟
تلك لعنة النقود المسكوكة، وذلك مدى تأثيرها في قواعد التفكير وفي أصول النظر إلى الأشياء فالنقود المسكوكة من المخترعات التي علمت الناس نمطاً من الفكر لم يكن مطبوعاً ولم يكن من الضروري أن يفكروا على مثاله وينظروا إلى الأمور بمنظاره لولا اختراع النقود!
وكثير من الأشياء كانت تكون لها في تقويم الناس قيمة كبرى لولا أنهم تعودوا أن يقوموا كل شيء بعدد القطع من الذهب والفضة
بل كثير من الأشياء كانت تبطل قيمته الشائعة وكان يبطل الصراع عليه والتناحر حوله لولا اختراع النقد وشيوع التقويم على حسابه
فقلّ أن يعرف الناس اليوم قيمة لشيء لا يتحول إلى كذا من الدنانير وكذا من الدراهم
ومع هذا كم في الدنيا من قيم غاليات لا تتحول إلى نقد ولا تباع بالنقد، وليس لها في سوق النقد حساب؟