إن لذة التدخين محسوسة، فالذي ينكرها يسهل على المدخنين أن يعرفوا خطأه أو يعرفوا الناس بخطئه ولو بعض التعريف
ولكن اللذات لا يحسها المنكرون كثيرات، وهي لو أمكن تحويلها إلى ذهب وفضة لملأت الخزائن وأدارت حركة المصارف سنوات
فواحدة من اثنتين: إما أن تتحول ذهباً وفضة لنصونها عن البخس والنكران، وإما أن تعرف خطأ الحساب الذي يدار على الذهب والفضة في تقويم قيم الحياة. ويومئذ يربح الناس خيراً كثيراً ويستريحون من عناء كثير، لأنهم لا يعرضون عن لذات نفسية أو فكرية كل ذنبها أنها لا توزن بالدرهم والمثقال، ولا يتناحرون على قنية هي في ظاهر الأمر ملك وفي باطنه حرمان واضع القصة أرانا أن المدخن كان هو مالك العمارة، وأن التدخين لم يفوّت عليه ملكها؛ ولكنّ واضع القصة كان يستطيع أن يخطو وراء ذلك خطوة فيقول لنا أن الرجل لم يكن ليملك تلك العمارة لولا تدخينه أو تدخينات زينت له رأياً من الآراء أو صفقة من الصفقات، فكانت العمارة بعض هذه الثمرات
وأقول هذا ولست أدخن الآن، ولا أنا مؤمن بضرورة التدخين لمن يفكرون
بل أقول هذا وكنت أدخن أربعين لفيفة في اليوم زمناً من الأزمان، فلا أذكر أنني أشعلت لفيفة وأنا أكتب لأستعين بها على الكتابة، وربما أطفأتها لأكتب أو اقرأ أو أقلب الرأي في مسألة من المسائل، فليس من تجاربي أن التدخين والتفكير متلازمان، وكل ما أعنيه أن السرور الذي يشعر به المدخن ينبغي أن يحسب وإن لم يتمثل في صورة الحجارة والحجرات، وهكذا ينبغي أن يحسب كل سرور
كذلك لا دخل هنا للأخلاق والموازين الأدبية في صواب التقويم والتقدير؛ فإن صاحب العمارة قد يملكها بمال مكسوب من السحت والربا الفاحش، ثم لا يقدح ذلك في قيمة العمارة عند تقويمها بين البائعين والشراة
والسرور الذي يداخل الحس قد يرجع إلى الحرام المحظور فيدان كما يدان الحرام المحظور، ثم لا ينفي هذا أنه في سرور وليس بغم ولا عذاب
ولهذا يجب أن توضع في الميزان ثلاثون سنة في المتعة التي تذهب دخاناً في الهواء ولا تتحجر لبنات وعمارات في الطرقات. والفارق بين هذه وتلك أن العمارة تنقل من مالك إلى