للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واستئصال للقحة. وذلك إن ظهور الجميع بمظهر الصراحة والثقة بالنفس لا يدع للدعى مضطربا يضطرب فيه أو مجال يصول فيه، إذ لا يبقى حينها رائجا إلا سوق الجدارة والاقتدار. ولو انتفى المزاحمون لراح هؤلاء الأدعياء المغرورون يملأون الدنيا صياحا وصخبا وادلالا بقوتهم وسمو مواهبهم:

زد على هذه المحاذير أن الحيي بانزوائه قد يحرم المجتمع الذي نعيش فيه كثير من الثمار الطيبة والجني اليانع الذي قد لا يخصب خصبه المطلوب في غير نفسه. وحبذا لو درس أصحابنا الخجلون هؤلاء شيئا من صحائف الطبيعة الناطقة، ولقنوا بعض دروسها العلمية. إذا لكانوا يشفون من مرضهم المخامر هذا. لينظروا إلى الزهرة ترفع جيدها لتستقبل الشمس، وليلاحظوا الرياح تذروا النبتة لا تتشبث جهد التشبث في أديم الارض، وليلحظوا أيضا الزهرة الجميلة لا يفوح عطرها يأتي عليها منجل الحاصد وتلقى بين ما يلقى أمام البهائم. ثم ينظروا إلى ذلك الطائر الجميل يتخذ من رواء ريشه وجمال زينته وسيلة للتشبث بأسباب الحياة. وليصغوا أيضا إلى ذلك الطائر عينه يملا الأرض برجع صوته الرخيم، لا ليشنف اسماعهم، بل ليكون له مما تصوغه حنجرته الصغيرة وسيلة يستبقي بها النوع ويستديم الذرية.

إن المرونة الخلقية لا باس بها، ولكن ليس إلى الحد الذي يصبح عنده الإنسان كالإسفنج تعتصر كل ما فيه من حياة دون أن يأسى أو يتألم، فيحاول المدافعة عن نفسه بالتي هي احسن أو بالتي هي اشر. الحرير لا باس به لباسا للمترفين، ولكنه بئس اللباس للمحاربين. فلنكن إذاً الشوكة تدمي الأنامل وتؤذي الملمس لا الوردة تنثر غلائلها أو الشهد يستساغ منهله.

شرق الأردن

أديب عباس

<<  <  ج:
ص:  >  >>