يقع مني هذا الحمق، مع أني أدعي لنفسي حرية العقل، فكيف يكون الحال عند إخواني في سائر الأقطار العربية إذا تعرضت بلادهم لكلمة سوء تصل من خارج الحدود الجغرافية؟
من المؤكد أنني لم أتفرد بهذه النزوة العقلية، فالعراقي يقبل أن تشتم بلاده في جريدة عراقية، ولكنه يرفض أن تغمز في جريدة سورية أو مصرية. واللبناني يجرّح وطنه من وقت إلى وقت، ولكنه يثور على ذلك التجريح إذا صدر عن جريدة مصرية أو فلسطينية أو عراقية
هذه نقطة حساسة جداً فلنرعاها أتم المراعاة في جميع الظروف، ولنفهم أن إخواننا في غير مصر لهم قلوب يؤذيها التحامل ولو بالرمز والإيماء
أما العقبة الخامسة فهي انصراف أبناء العرب بعضهم عن بعض، في الظروف التي توجب التعاضد والتساند والمواساة، ولو بالكلام، وهو لا يكلفنا كثيراً ولا قليلاً من العناء
إن كلمة وجيزة تكتب في جريدة مصرية طّبا لجرح تعانيه إحدى البلاد العربية يقع موقع البلسم الشافي لذلك الجرح، فما بخلنا بمثل تلك الكلمة، وهي أهون ما في الدنيا من تكاليف؟
وقد تلطفت المجلات السورية واللبنانية والعراقية فأخرجت أعداداً خاصة في التنويه بالثقافة المصرية، فماذا صنعت مجلات مصر في رد ذلك الجميل، بل ماذا صنعت هذه المجلات في التنويه بمؤتمر الخريجين في السودان، والسودان أخو مصر الشقيق؟
يجب أن ترفع غشاوة الغفلة عن بعض العيون، ليصح لمصر أن تقول إنها الدعامة الأساسية للوحدة العربية، وهي كذلك لو أرادت، فهل تريد هذه الأخت الظلوم؟
مصر تعمل ولا تتكلم، فهي بالفعل سناد الوحدة العربية، وهي بالفعل حصن العرب الحصين، فكيف تبخل بكلمة تعلن بها أن أرض مصر ملك ورثه العرب عن الفراعين؟
يستطيع أي بلد أن يكفر بالعروبة حين يشاء ألا مصر؛ فما يجوز لها أن تتخلى عن مجد بنته بأيديها في عصور الظلمات، حين كانت العروبة من خيالات الأوهام والظنون بعد سقوط بغداد بأيدي المغول
أما بعد فهذه كلمتي إلى مؤتمر الخريجين في السودان، وهي كلمة تلخص آرائي في العقبات التي تعترض طريق الوحدة العربية، وقد أوردتها صريحة منزهة عن الرمز والتلميح،