ثناء يخجلك ويضايقك؛ ثم لا تراه بعد ذلك ولا تبصر له وجهاً فتفتش عنه لتسأله رد المال وقد انقضت مدة الدين، وتجددت حاجتك إليه، فيروغ منك، وينأى عنك. . . فتطرق بابه، فيقال لك هو غائب عن الدار، فتعود إليه في الصباح فيقال هو نائم، فترجع بعد ساعة فيقال خرج. . . فتبتغي إليه الوسائل وتتشفع إليه بالأصدقاء. . . فيلقاك شامخ الأنف مصّعراً خده، يقول:(يا أخي، أزعجتنا بهذا الدين. . . ما هذا الإلحاح الغريب؟ أتخاف أن آكله. . .!) وينتهرك وأنت تداريه. . . ثم إن كان (رجلاً طيباً) دفع إليك الدين، ولكن قرشاً بعد قرش، و (ورقة) بعد (ورقة)، فتريق في استيفاء دينك ماء وجهك، وتنفق فيه الثمين من وقتك، ثم لا تنتفع منه بشيء. وإن لم يكن (صاحب ذمة) أكل الدين كله، وصرخ فيك حيثما لقيك:(مالك عندي شيء. اشتك للمحاكم!)، وهو يعلم أنه لا سند في يدك، ولا بينة لك عليه. . . وهبك أخذت منه كتاباً بدينك، أفتصبر على طول المحاكمة ومتابعتها وتأجيلها وتسويفها، و (رسومها ومصارفها). . . إن ضياع المال أهون من إقامته الدعوى به
ومثل هؤلاء المقترضين (الأفاضل) مستعيرو الكتب، أولئك الذين تركوا في قلبي غصصاً حلفت بعدها بموثقات الأيمان أني لا أعير أحداً كتاباً. ولم أنج مع ذلك منهم، ولم يرد لي إلى الآن كتاب (كشف الظنون) الذي نسيت من استعاره مني منذ إحدى عشرة سنة. . .
ولهؤلاء المستعيرين نوادر شهدت منها العجب، منها أن أستاذاً محترماً في قومه جاءني مرة يلتمس إعارته جزءاً من تفسير الخازن من خزانة كتبي، ليراجع فيه مسألة ويرده إلي عاجلاً، ففعلت؛ وانتظرت أربع. . . أربع سنوات - والله - ثم ذكرته به؛ فغضب وقال:(لإيش العجلة يا أستاذ، لم أراجع المسألة بعد. . .)!
والذي يذكر منهم صاحب الكتاب ويتنازل فيرده إليه، يرده مخلوع الجلد، ممزق الأوصال. وأنكى منه المستعير المحقق المدقق الذي يرمي في الكتاب موطناً يحتاج إلى تعليق، فيكتب التعليقة التي يفتح الله بها عليه على هامش كتابك بالحبر الصيني الذي لا يمحى ولا يكشط، ويذيلها باسمه الكريم!!
وشر من هؤلاء جميعاً الثقيل الذي يتظرف ويتخفف، فيرى أن من الظرف سرقة الكتب، فإذا زارك وتركته في المكتبة وخرجت لتأتيه بالقهوة أو الشاي أخذ كتاباً فدسه تحت إبطه، أو وضعه في جيبه ثم ذهب به وأنت لا تدري. . .