في نقد ما ذهبت إليه من أن استعمال الكّتاب الآن لكلمة (عبر) - مصدر عبره - ظرفاً غير صحيح فقال الأستاذ: قد جاءت هذه الكلمة في شعر إسلامي لسواد بن قارب الكاهن، حين وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً)
ثم ساق حكاية سواد كما رواها صاحب الجمهرة، وفيها أبيات له، منها:
وبعد ذلك قال:(ومن ثم يرى الأستاذ الكبير أن الكلمة صحيحة كما يستعملها الكتاب على عهدنا) فكأن الأستاذ ارتضى استعمال (عبر) ظرفاً أخّذا بظاهر عبارة الشاعر التي تنطبق في صورتها على استعمالات الكتّاب لهذا العهد. وكأنه يتوهم أنها منصوبة على الظرفية (بأرقلت)
ولكن الواقع أنها صفة ثالثة للناقة لا غير؛ فإن الشاعر في مقام تعديد محاسن ناقته وما فيها من مزايا يقتدر بها على السرعة في أداء مهمته، فهو يصفها بالفتاء والقوة، وبأنها قادرة على شق السباسب، تمضي بها وتجرؤ عليها
ويؤيدني في أن الوصفية وحدها هي الوجه الواجب أني لم أجد لمعنى الظرفية في (عبر) أثراً فيما قرأت من كتب اللغة وراجعت وبحثت، وإن كانت الكتب التي بين أيدينا لا تحوي كل شيء، بل قد فاتها كثيراً جداً، كما نعترف بذلك جميعاً
ثم ترقى الأستاذ في تفنيد مذهبي في هذا الموضوع فقال:
(ولو أننا أردنا تخريج الكلمة على وجه الصحيح لوجدنا أكثر من وجه، خلافاً لما يقوله الأستاذ. وأقرب هذه الوجوه عندي أن تكون (عبر) مصدراً مراداً به اسم الفاعل، فتكون حالاً مما قبلها، ويكون التقدير:(مرور قواتها عابرة شمال الهند. . . الخ) و (أو جاءت إلى هنا عابرة الأطلنطي).
أقول: يكفي في الرد على هذا أن أذكر الأستاذ أنه من المقرر أن المصدر قد يقع حالاً (إذا كان نكرة). فالتنكير شرط لازم، نحو:(ثم ادعهن يأتينك سعياً) و (ينفقون أموالهم سراً) و (جاء بغتة) و (قتله صبراً) و (حضر سرعة) و (أقبل ركضاً) و (كلمته مشافهة). . . إلى غير ذلك.
وقد رأيت أن (عبر) في الأمثلة الثلاثة التي أتيت بها للتوضيح في مقالي السابق معرفة