ثم شهدت ما حشدته الأمم للإصلاح من قوى فبصرت بقوة الأقلام يصول بها الكاتب القدير في الميدان، ويشق ببريقها الظلام المخيم على العقول والقلوب، ويدفع بها النفوس إلى المثل العليا وهنا ألقيت نظرة على مصر، فإذا بمعركة الإصلاح خامدة، وإذا الروح المعنوية متخاذلة يعوزها القادة والخطة والجنود وقوة الإيمان، مع اتساع الميادين وفداحة الخطوب وعظم المشكلات وقلة الزاد ووعورة الطريق، تكتنفنا عوامل الانحلال التي تقربنا إلى الهوة بخطوات واسعة. وشعرت أننا نسير في الظلام، وقد خبت الأضواء، واختفت مصابيح السماء، فصحت في نفسي والألم يحزها: (أين كتابنا من هذا النضال؟ هل آثروا العزلة في بروجهم العاجية، يشرفون علينا من عل، فيعبسون حيناً ويبتسمون أحياناً، ثم يقهقهون ملء أشداقهم، ثم يخلدون إلى متعتهم من الفن وروعة الخيال، يغذون بها روحهم، ويستوحون منها فيض أقلامهم؟
ألم يقض هؤلاء الكتاب فترة من سني حياتهم الناعمة في قرى الريف، فتثور نفوسهم لمشاهدة الحياة فيها، فيستلوا أقلامهم ليخوضوها معركة حامية في سبيل هؤلاء التعساء اللذين ضن المترفون عليهم بقسط يسير من مقومات الحياة الإنسانية الكريمة؟ ألم يستشعروا ما يحيط بهم من مآسي الحياة المصرية؟ هل فكروا في وجوه الإصلاح ونصيب الكتاب في الدعوة إليه والنضال في سبيله؟ لقد حباهم الله بخيال خصب وروح اجتماعي سام ينم عنهما ما تزخر به مؤلفاتهم وبحوثهم من شذرات وخواطر، فكيف السبيل إلى استغلال هذه المواهب في توجيه قوى الخير لمكافحة عوامل الشر؟
يخيل إلي أن أدباءنا ينعمون بأنانية منقطعة النظير، هيأتهم لأن يعيشوا لأنفسهم، وأن يفكروا حين يفكرون، ويكتبوا حين تتحرك أقلامهم، لمتعة الروح وإرضاء الخيال، دون نظر لما تقتضيهم حقوق الوطن من التزامات تحتم عليهم أن يكونوا في مركز القيادة، وأن يتولوا مهمة الإرشاد
أين إنتاج أدبائنا مما توحي به الحرب، وما يتطلبه تنظيم الحياة الاجتماعية بعد الحرب؟ ألم يروا كيف نهض الكتاب في البلاد الغربية يعالجون المشاكل الاجتماعية التي أوجدتها الحرب، والتي ستتمخض عنها الحرب عندما تخبو نارها، فاستخلصوا العبرة، ووصفوا