الذي يتحدى القدر ويخلق الطموح ويحقق التطور. فإذا انبثق في صدورهم ذلك النور الإلهي اهتدوا إلى الطريق الإنساني الذي أظلوه، فلا يحتاجون إلى من يبني لهم المراحيض في البيوت، أو يضع لهم النعال في الأرجل. وليس العلم شرطاً في حُبَّك النظافة وطلبك الحق وإبائك الضيم ورعايتك الصحة، فإن ذلك كله من مقتضيات الفطرة السليمة. والبدوي على عنجهيته وجهله لا يزال المثل المضروب في الاعتداد بالنفس والاحتفاظ بالكرامة. وفي يقيني أن الواجب الأول على رجال الدين وأقطاب الصحافة ورجال الإصلاح أن يقنعوا الفلاح بأنه إنسان. ذلك وحده كفيل أن يعلمه كيف يعيش، وأن يلهمه كيف يرقي!
وهنا قدح الأستاذ توحيد زِناده الفضيَّ النادر، وأشعل سيجاره التُّسكانيَّ الفاخر؛ ولم يكاد يطفئه ويستأنف الكلام حتى أُغلقتْ مفاتيح الأنوار، وأطلقت صفارة الإنذار، فخشعت الأصوات، وسكنت الحركات، واستولى على الناس شعورٌ من صريح القلق ورياء الصبر فاستحال الإصغاء وانقطع الحديث!