للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضعيف الحول، وأن الدنيا بخلت عليه وعلى أبيه بما يبعد عنهما شبهة العوز والاحتياج.

وما وجودُ المصلحين إذا عجزوا عن رأب هذا الصدع بوسيلة لا تكلفهم غير قليل من الالتفات، كأن يرعوا أن التلميذ جندي والملابس واحدة لجميع الجنود؟

قد لا يخر في بال وزير المعارف أن في مصر آباءً يقتلون أنفسهم بالبلاء الذي يسمى (التقسيط)، فأولئك الآباء يزوّدون أبناءهم بما يشتهون عن طريق الدَّين، فيظهرون بمظهر الغني، مع أنهم يستعجلون الفقر بخطوات سراع!

و (شعار التلميذ) وقاية من هذا الداء، فقد يستطيع التلميذ الفقير أن يقضي العام كله بثوب واحد، ما دام يتعهده بالصيانة والتنظيف، ولن يكون في ذلك ما يحرجه أمام رفاقه، لأنه لم يلبس غير الثوب المطلوب.

ومن أعجب العجب أن نفكر في الطب لجميع أمراض المجتمع ثم ننسى الطب للأمراض التي يتعرض لها التلاميذ، وهم بحكم أسنانهم الصغيرة معرَّضون للآفات النفسية، لأنهم يعجزون عن مقاومة آفات النفوس، ولأن رفاقهم لا يعفونهم من الغمز والتلويح، إذا رأوهم في أثواب لا تعفي لابسيها من التعرض للازدراء. . . وكل ثوب لا يكون ابن يومه هو في نظر التلميذ علامة فقر وإملاق. . . وكان الله في عون من له أبناء يتعلمون في المدارس المصرية، ولو كان من الأغنياء!

وهنالك ظاهرة غريبة لا يلتفت إليها أكثر المربين، فالتلميذ الذي يستحي من شكوى حاله إلى أبيه، لا يستحي من الشكوى إلى أمه، وليس بينه وبينها حجاب، والأم امرأة لا مرؤ، وإحساس المرأة بتفاوت الأزياء أحدّ من السيف الصقيل.

فماذا تصنع الأم؟ إن بلّغت الشكوى إلى زوجها كدرته بلا موجب، لأنها تعرف عجزه عن تحقيق ما يريد ابنها (الطفل)، وإن كتمت شكواها وشكواه عاش البيت في جمر لا يطمسه غير رماد لا يحتمل عصف الرياح.

ومن المزعج أن الأغنياء لا يكتفون بإسباغ الأثواب الجميلة على أبنائهم المنعَّمين، وإنما يزوّدونهم بالمال في كل يوم، ليُقبِلوا على (مَقصف المدرسة) إقبال الأفاعي على الأوطاب. وللمنصف أن يتصور كيف يكون حال التلميذ الذي لا يجد في جيبه غير قرشٍ واحد بجانب التلميذ الذي يجد في جيبه عشرات القروش؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>