ذلك تلميذ يشتري شطيرة مكونة من الخبز والفول بقرش أو نصف قرش، وهذا تلميذ يلم بجميع ما في المقصف من ألوان وأصناف، ثم يشاء له (أدبه) أن يزهد في الماء فلا يشرب غير منقوع المنجة أو الليمون.
وليكن مفهوماً أن طبقات التلاميذ في الحاضر هم طبقات الرجال في الاستقبال، ومعنى هذه اللفتة أن تناحر الطبقات في الغد توضع بذوره في المدرسة، المدرسة التي أقيمت لتشيد صروح الأخلاق!
فما أعجبَ ما نصنع بأبنائنا، وهم في أصل الفطرة أبرياء!
ثم ماذا؟ ثم يشاء الأغنياء - عفا الله عنهم - أن لا يعود أبناؤهم إلى المنازل إلا في سيارات خصوصية!
وهنا أذكر حادثاً رواه أحد المفتشين، قال:
(اتفق مرةً أن يدوم عملي في التفتيش على إحدى المدارس إلى الحصة الأخيرة، فخرجت وقد أعييت، ولم أكد أخرج من باب تلك المدرسة حتى واجه الصغير آذاني من كل صوب، فشعرت بدوار مخيف، وبدا لي لا نجاة من أخطار السيارات التي تنتظر أبناء الأغنياء. ثم جمعت ما تبدد من قواي ونظرت حواليّ فرأيت التلاميذ الفقراء يتسللون إلى الطريق في ذلة وانكسار، كأنهم طرائد لعار ورثوه عن آبائهم المساكين!)
فما الموجب لأن يرجع بعض التلاميذ إلى منازلهم في سيارات خصوصية، وفي طنطة تجّسم ما بين الطبقات من فروق لا يسكت عنها الناس إلا عاجزين؟
ما الواجب لذلك ولأكثر التلاميذ مواصلات أنفعها المشي على الأقدام ليعَّودوا مواجهة الصعاب، إن كان المشي عشرة دقائق من جملة الصعاب؟
إن سعادة سامي بك راغب وكيل وزارة المالية يصل إلى مقرّ عمله عن طريق (المترو) ثم (الترام) وكأنه في مثل حالي! ومنذ يومين صادفت الأستاذ خيري بك مراقب منطقة القاهرة حيران في ميدان باب الحديد، لأنه وجد جميع قطارات (الترام) مشغولة - ومن ذلك فهمت أنه لا يقتني سيارة - وقد اشترك مع بعض زملائه في (تاكسي) ليصل إلى وزارة المعارف في الوقت المحدد. وكبار الموظفين في مصر لا يقتنون سيارات، إلا أن يكونوا من محدثي النعمة ومن هواة الشهرة بالترف والنعيم. . . وهل أنسى أن الأستاذ نجيب بك حتاتة