وكما أعار الألمان اهتماماً فائقاً للحقيقة الاقتصادية الآتية: وهي أن المنبع الحقيقي لثروة جماعة ما هو العمل والإنتاج فحسب، واعتبروا النقود شيئاً ثانوياً بالنسبة لهم، وإن لم يغفلوا دورها الهام في تمويل المشروع في جميع أشكاله، كما اعتبروا الإنتاج الصناعي أهم أنواع الإنتاج.
ولقد طبقوا في عملهم سياسة تبدو لأول وهلة أنها سياسة تضخم، وذلك أن بنك الريخ خاصة، والبنوك الأخرى عامة، أنشأت أدوات المبادلة (سواء أكانت نقوداً ورقية أم اعتمادات) قبل عملية إنتاج الثروة، إذ الأصل أن يتبع حجم النقود المتداولة حجم الثروة المنتجة. ولقد أظهرت التجربة أن خلق النقود يحمل معه ارتفاعاً تضخمياً في الأسعار، ما دام أن هناك قدراً كبيراً من مصادر الثروة العاطلة وجزءاً من الطاقة الإنتاجية لا يستغل في الوجوه المنتجة المثلى. ولكي تتفادى أخطار التضخم ورزاياه يجب توفر شرطين: الأول ثبات مستوى الأجور ثباتاً جوهرياً. والثاني ألا يصحب عملية خلق النقود بحال ما تصدير رأس المال على نطاق واسع، وهذا ما سعت ألمانيا إلى تحقيقه عن طريق تدخل الدولة.
ولم تك ألمانيا بإنتاجها هذه السياسة مسيرة بالاعتبارات المؤسسة على الفكرة والتحليل الاقتصادي فحسب، ولكنها اضطرت إلى ذلك تحت ضغط الظروف التي ألفتها محيطة بها في عام ١٩٣٣، ففي هذا الوقت هبط إنتاج السلع الصناعية إلى مستوى غير عادي، وكانت البلاد تعاني أزمة حادة للعاطلين، بعكس صناعات الاستهلاك التي كانت تسير سيراً حسناً نسبياً، وكانت هذه الحالة تعمل على رفع مستوى الأثمان في داخلية البلاد، ولتفادي هذا رأت الدولة ضرورة ازدهار سلع الإنتاج التي أصابها الكساد أكثر من غيرها، ولا سيما أن نمو الاستهلاك ينتج عنه زيادة في المستورد من المواد الأولية الخام التي لا يمكن تدبير وسائل تمويلها لافتقار البلاد إلى صكوك الدفع الأجنبية التي بها تدفع هذه الواردات. وعلى ذلك حصرت الدولة مجهودها في تنشيط الإنتاج وتدبير العمل للعمال بتشغيلها في الأعمال العامة وعلى الأخص التي تعتبر إنتاجاً رأسمالياً لا استهلاكياً.
وبينما كان الإنعاش يقام مباشرة على اتساع الاستثمار الحكومي الذي أتخذ في مبدأ الأمر شكل أعمال عامة ثم أصبح التسلح بعد ذلك المسحة التي تغلب على الأعمال العامة، كان