للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فترى الماء ثم والنار والآ ... ل بتلك الابشار والأسلاب

وكما كانت حاسة اللون اليقظة تصور اختلاف الوان الطبيعة وتباين شكولها فلا تفوتها خافقة أو بارقة. كذلك كانت أذنه السامعة المرهفة تلتقط أدق الأصوات وأخفى النغمات. وهو حين يصف لنا صوت المغنية وحيد، لا يصف غنائها فحسب، بل ينقل لنا بأذنه الحساسة رقيق نغماتها ولطيف نبراتها وعذوبة صوتها نقلا يشبه نقل الميكرفون.

مد في شأو صوتها نفس كا ... ف كأنفاس عاشقيها مديد

وارق الدلال والغنج منه ... وبراه الشجا فكاد يبيد!

فنراه يموت طورا ويحيى ... مستلذ بسيطه والنشيد

فيه وشيى وفيه حلى من النغ ... م مصوغٌ يختال فيه القصيد

ما هذا شعر! إن هو إلا حاك يحكى واسطوانة تغنى ولو أردنا أن نعرض عليك أشعاره في وصف الأقزام والمحدودين لحسبت نفسك أمام شريط سينمائي تطالعك فيه هذه الصور المضحكة. ولكن من الخير أن تكتفي بصورة واحدة من هذا الشريط وهي صورة الأحدب

قصرت أخادعه وطال قذاله ... فكأنه متربص أن يصفعا

وكأنما صفعت قفاه مرة ... وأحس ثانية لها فتجمعا

فقد شخص لناظر القارئ وفي هذين البيتين صورة طبق الأصل للأحدب يعجز عن تصويرها امهر المصورين.

وجملة القول في شعره انه كان تعرض له الصورة أيا كان نوعها فلا يصورها بحاسة واحدة تنما يوكل بها حواسه كلها. فترسم عينه أشكالها وألوانها وأضوائها وظلالها ولمحاتها وخلجاتها، وتنظم أذنه صوتها وجرسها، وينقل الأنف عرفها وريحانها، واللمس وقعها وأثرها. أي أن جميع حواسه تنهض في تصوير هذه الصورة حتى تبرزها موفورة الحظ من الحياة، وفي هذه الأبيات يصف فيها شمس الأصيل وهي تجنح عن روضة، غنى عن الشرح

وقد رنقت شمس الأصيل ونفضت ... على الأفق الغربي ورسا مزعزعا

ولاحظت النوار وهو مريضة ... وقد وضعت خداً على الأرض اضرعا

وقد ضربت في خضرة الروض صفرة ... من الشمس فاخضر اخضرارا مشعشعا

<<  <  ج:
ص:  >  >>