ثم أومأت إلي منذرة باسمة وقالت وهي تقتضب الحديث: فإن أردت أن أتضايق منك فعد إلى نصيحتك ونصيحته. . . وإياك أن تعو!
وكنا نتبادل الرأي كثيراً ونختلف كثيراً ولا نستغرب هذا الخلاف ولا نكف عن تبادل الآراء؛ لأن الخلاف بين كل أنثى وفيه لطبعها وكل رجل وفي لطبعه أمر من البداهة بمكان. فهي تنظر بعين حواء إلى حقائق الدنيا وهو ينظر بعين آدم، وكلاهما مخلص في خلافه ومستفيد
على أنها كانت ترى في اللغة العربية واللهجة العامية مثل ما أراه، وكانت على تربيتها الأوربية وأحاطتها بخمس لغات أجنبية تغار على عربيتها غيرة البداوة، فلا تجاري الذين يميلون إلى مجافاة الفصحى وتبديل التهجئة والكتابة وتذهب في هذا مذهباً قريباً من مذهب المحافظين المتشددين
وأسمها (مي) اختصار لأسم (ماري) باختيار أول حروفه الميم وآخرها الياء، ولكنها أحبت الاسم لعربيته لا لاختصاره، فان اسم ماري نفسه ليس بالاسم الطويل ولا الكثير الحروف
تذاكر الأدباء في مجلسها يوماً مناقب رجل من أعظم رجالات المصريين فشاركتهم إعجابهم به وثناءهم عليه، واستأذنت بعد ذلك أن تلومه أمامهم في أمر صغير
قالت: كنت في الجامعة المصرية فقدمني إليه الأستاذ لطفي السيد وتفضل فأطرى كتاباتي العربية والإفرنجية بما شاء له فضله وتشجيعه
ثم قالت: فلا أدري لماذا نسى الزعيم العظيم أنني عربية وأنني كاتبة عربية وأختار أن يخاطبني بالفرنسية ويصر على مخاطبتي بها مع إجابتي له بالعربية على كل سؤال
وبدا عليها حقاً أنها غضبت لعربيتها من أن يخاطبها مصري عظيم بغير لغته ولغتها، وهي هي التي تتقن خمس لغات وتكتب بكل لغة كتابة يرضاها القراء من أبنائها. ولقد تكون الواحدة من بناتنا وما تحسن لغة واحدة كلاماً فضلاً عن الكتابة، ثم لا تزال ترطن بها في البيت والطريق مع أبناء جنسها كأنها لا تفهم لغة غيرها.
وواجب لي في عنق العربية أن تغار على أدبها كغيرة مي على نسبتها إليها. فما عرفت العربية كاتبة أفضل من مي واقدر وأجلى، وليس فضل الندرة هنا بأقل من فضل الإحسان والإتقان.