الغربيون قدموا لنا عبقرية المادة، فلنقدم لهم عبقرية الروح. . . فلنخدم أرواحهم كما خدموا أجسامنا. . .!
إنهم استغنوا بذكائهم عما وراء الطبيعة، وقد كفهم ذكاؤهم تدبير أمورهم كلها فيما يخيل إليهم مع أن الواقع أنهم في شبكة الأقدار العليا والتدبير الشامل لحياة الأرض. والرجل الذكي غني بالحيل وتجدد الأفكار. والغني يبعث دائما على الطغيان. ومن هنا أتى الغربيون ودخلت عليهم نكبات الحياة لأنهم اعتمدوا على غنى ذكائهم وحده.
وحين يستغني الطفل بذكائه وقدرته عن ثدي أمه ورعايتها، ويعلو مستواه البدني والعقلي عن مستواه، فذلك عهد ابتداء عقوقه إياها إذا لم يكن ذا ذخيرة موفورة من الإدراك والحب والرحمة والأدب، وما دام ينسى أنه قطعة قدت من جسمها وقلبها، وأنها الوشيجة الوثيقة بينه وبين أرومة الحياة والطبيعة.
وكذلك ينسى الإنسان الذكي عجزه أمام قهر صاحب الطبيعة ويستغني بذكائه عن الاستمداد منه والاستيحاء منها فيصير مخلوقاً يكاد يكون ذا صلة بينه وبين ما في الطبيعة من موجودات تسير طائعة بالإلهام والتوجيه.
فهل نترك الغربيين يذهبون بأرواحنا وأرواحهم في أودية بعيدة عن الرحمة والعدالة والأشواق إلى المجهول والبحث عن الله ذي الجلال؟!
أنتركها ونتركهم للحديد البليد القاسي يطبعها بطابعه، ويوحي إليها ببأسه سياسة البطش والطغيان، ويشغلها بضجته المنكرة عن همسات القلوب وأصوات الضمائر؟
إننا إن تركناهم وتبعناهم على الخير والشر فسوف نكون فرائسهم وجزر سيوفهم وطحين طواحينهم الحديدية الحمراء!
فلنذكرهم بمبادئ الطبيعة أمنا وأمهم، تلك المبادئ التي فيها من منطق الوجدان أكثر ما فيها من الذكاء الجامح وقوة الاختيار من غير ضابط من هدى الطبيعة.
وإن الطبيعة لتذكر أبنائها دائماً بوصايا الحق والعدل كما تذكر الأم البسيطة أبنائها الأذكياء بوصاياها وعواطفها التي بنت عليها عشها. فمهما اختلفت أفكار الناس وأخلاقهم فإنهم يتوحدون حين يقفون بين يدي الطبيعة ويشعرون بشعور واحد فيه صدق الفطرة واعتدالها.