طوفوا في شوارعكم أيها الناس بقلب ذاكر للطبيعة مدرك لمباديها لتعرفوا مقدار ما بينكم وبينها ومقدار قوتكم الابتداعية فتتلفتوا لأنفسكم متعجبين محترمين محافظين عليها وعلى قواها الفكرية والإنتاجية من الضياع والذهول والغفلات!
إن أفراح الحياة تغمر قلبي حين أطوف بجسمي في الشوارع العظيمة، أو حين تطوف بي الحياة في دور السينما، فأرى عجائب ما استحدثه الإنسان في عوالم المواد والمعاني. . .
ولست أزهد في رؤية الحياة المادية وتقصي دقائقها، لأن كل دقيقة منها ترسل في قلبي دقيقة من التعجب والإيمان. . .
ما جئنا للحياة لنموت ونستحضر فلسفة الموت من أول يوم، والقبر ليس نهاية بل بداية مرحلة تالية. . . فعلى الذين يجعلون القبور نصب أعينهم فيهونوا من أجلها كل عظيم ولو كان الصحة أو العلم أو التفاؤل، أن يعلموا أنهم جاءوا ليحيوا ويحسوا الحياة عميقة فيما خلق الله من شيء، وينتفعوا به انتفاع الحلال والعقل والحفظ. . .
ومن الكفر أن نترك الأجسام فريسة للجراثيم الفاتكة والآفات وعوامل الشؤم انتظاراً للموت الأكبر. . . فيدب فيها منذ ولادتنا
كذلك يجب أن يكون إيمان الرجل المتمدن. . . إيمان البصير الواثق بأن عمل النفس البشرية في المادة باب إلى الإيمان لا الكفر كما يتوهم الأغبياء البلداء الأغرار!
إني لا أعيش في نفسي وحدها، ولكني أعيش في نفوس بني الدنيا جميعاً، لأرى الحياة بعيونهم من آفاقهم، حتى أخرج ومعي الكثير من أسرار الحياة في القلوب والعقول. . .
وأنصح لأصحاب الإيمان التقليدي أن يستحدثوا في قلوبهم ونظراتهم ما أستحدث، ليعرفوا أي لذة وأي إيمان مضاعف يغمر قلوبهم. . .
وأنصح لأصحاب النظرة المادية والذهول عن المعاني، أن يستحضروا أرواحهم وراء كل نظرة وكل عمل وكل علم. . . فإن هذا هو الوضع الحقيقي لحياة الفكر والاستعمال الحق للروح وقوى الجسم. . .
ولنعش بأفكارنا وأرواحنا دائماً، سواء أكنا في غابات خط الاستواء، حيث الطبيعة بكر غير مفضوضة لم يطمثها إنس ولا جان. . . أم في مصانع (فورد) بنيويورك، حيث يدور