الروحية والمادية. ونادى في المجتمعات العلمية وعلى رؤوس الأشهاد أن عصر أبن سينا واليونان يجب أن يزول، وأن أياماً جديدة يجب أن تحل محل تلك الأيام
كانت فلسفة أبن سينا فلسفة هادئة؛ وكذلك كانت فلسفة حكماء اليونان لم يكن فيها ما يبعث على المجازفات والمغامرات والبحث عن الأسرار ومجاهل الأرض. بينما كانت أوربا تتمخض عن حركة جديدة، هي حركة تسخير العلم في خدمة الإنسان والاستفادة من الطبيعة في سبيل رفاهية أبن آدم. كانت كلمة (الأركانا) من أبرز الكلمات وأحلاها في قاموس علم ذلك الزمان. وكلمة أركانا تدل على معان جمة عميقة تدل على المادة السرية التي يمكن بواسطتها تحويل أي معدن خسيس إلى معدن ثمين. ولا يستغرب صدور هذا الميل المادي الجشع من إنسان ذلك الوقت. فقد قلب القرن الخامس عشر العالم رأساً على عقب. كدس الذهب والفضة في بلاط ملوك البرتغال والأسبان، وحرم الشعوب الأوربية الأخرى من مصادر القوة والثروة. ووجد حملة سر (الأركانا) في قصور الأمراء وملوك أوربا مرتزقاً حسناً جداً. كانوا يجوبون عواصم أوربا ليعرضوا على ساداتها آخر ما وصل إليه علمهم عن هذه الكلمة السحرية معشوقة الأغنياء. وكان أبرعهم وأشهرهم الذي تمكن بواسطة بضاعته في علم (السيمياء) وطلاقة لسانه، من السيطرة على عقل الأمير (فردريك) أمير ورتمبرك في عام ١٥٩٧ م ومن ابتزاز أموال الأمير بلا حساب، لتحويل النحاس إلى المعدن الثمين الذهب. وقد سطر لنا عصر بارسلس عشرات وعشرات أمثال هذا العالم السيميائي الشاطر.
كانت (الأركانا) رمز عقلية الجيل الجديد، ذلك الجيل الذي سخر من عقلية من تقدمه، لأنها في نظرة عقلية قديمة آسنة ذات تفكير قديم. كانت تؤمن بالخرافات وبزخارف القول وما جاء في الأساطير. وما الأركانا في نظره سوى ثورة جديدة على العصور القديمة وعلى ما أنتجته تلك العصور.
ولكن الجديد في عقلية الأركانا حقا هو ثورة الفرد على الطبيعة وثورة الإنسان النشيط على الإنسان المتزن الهادئ، ثورة الجرمانية على العربية واللاتينية.
ولكي يبرهن ذلك الإنسان الجديد على انه إنسان جديد في كل شيء. إنسان عملي حرفي أرادته وتفكيره فرق بين علوم الأوائل وعلوم الأواخر، بين علوم الأجيال التي سبقت القرن