اكثر البديع أسفاره بعد مفارقة نيسابور. يقول الثعالبي:
(ولم يبق من بلاد خراسان وسجستان وغزنة بلدة إلا دخلها وجنى وجبى ثمرتها، واستفاء خيرها وميرها، ولا ملك ولا أمير ولا وزير ولا رئيس إلا استمطر منه بنوء، وسرى معه في ضوء، ففاز برغائب النعم، وحصل على غرائب القسم) ويقول الهمذاني في رسالته إلى القاسم الكرجي: (فإني وإن كنت في مقتبل السن والعمر، قد حلبت شطري الدهر، وركبت ظهري البر والبحر، ولقيت وفدى الخير والشر، وصافحت يدي النفع والضر)
وفي رسالة أخرى:(وإني أيد الله القاضي، على قرب العهد بالمهن قطعت عرض الأرض وعاشرت أجناس الناس.) وليس يمكن بما عندنا من الرسائل غير المرتبة أن نتتبع أسفاره في خراسان وسجستان وغزنة، ولكننا نعرف انه فارق خراسان لما وقع بها من الحروب، والظاهر إنها الحروب التي وقعت في أواخر الدولة السامانية، ونعرف إن الأتراك قطعوا الطريق عليه وهو ميمم سجستان كما قطع الأعراب طريقه وهو قاصد نيسابور من جرجان:(ولما وقع بخراسان ما وقع من حرب، وجرى ما جرى من خطب، واضطربت الامور، واختلفت السيوف، والتقت الجموع وظفر من ظفر، وخسر من خسر، كتبني الله في الأعلين مقاما، ثم ألهمني من الامتداد عن تلك البلاد، والإقلاع عن تلك البقاع. واعترضتنا في الطريق الأتراك. واحسن الله الدفاع عن خير الأعلاق وهو الرأس، بما دون الأعراض وهو اللباس. فلم نجزع لمرض الحال مع سلامة النفوس، ولم نحزن لذهاب المال مع بقاء الرؤوس. وسرنا حتى وردنا عرصة العدل، وساحة الفضل، ومربع الحمد، ومشرع المجد، ومطلع الجود، ومنزع الاصل، ومشعر الدين، ومفرع الشكر، ومصرع الفقر، حضرة الملك العادل أبي احمد خلف بن احمد الخ) هذا هو الذي مدحه في ست من مقاماته، وبعض رسائله مدحا لم يبذل لغيره مثله، ولكن بديع الزمان لم يعفه العتب الموجع حين آنس منه الإغضاء عنه.