ثم ذهب الهمذاني إلى غزنة حاضرة الدولة الغزنوية ومدح السلطان محموداً بأبيات. ولا نجد في رسائله تفصيل مقامه في غزنة ولقائه السلطان. ولكننا نجد له رسائل كثيرة إلى الفضل بن احمد الاسفرائيني وزير السلطان يذكر بعض خطوب هذه الدولة، ويهنئ ببعض فتوحاتها. والأبيات التي مدح بها السلطان مثبتة في الديوان، وفي اليتيمة وأولها:
تعالى الله ما شاء ... وزاد الله إيماني
أأفريدون في التاج (م) ... أم الاسكندر الثاني؟
أم الرجعة قد عادت ... إلينا بسليمان
أظلت شمس محمود ... على انجم سامان
في هراة
ثم سار إلى هراة ليرحل عنها كما رحل عن غيرها، ولكن كتبت له الإقامة بها حتى الممات. يقول في رسالته إلى الشيخ أبي نصر انه سار من سجستان إلى بوشنج، وانه لما سكنت الحرب وانفتحت السبل إستأذن الأمير في المسير إلى هراة. ويقول في رسالة أخرى (ويا سبحان الله ما علمت إن هراة تنسيني صرصر والصرات، حتىانستني دجلة والفرات، على ظهر الغيب نظر الريب. فكيف بنا إذا دخلناها وحللناها فسقاها الله من بلد، وأهلها من عدد.) وذلك إن بعض الهرويين أرسل إليه مرحبا قبل دخوله المدينة، ويظهر من رسائله انه لم يغتبط بالإقامة في هراة أول عهده بها، ولا أزمع المقام فيها، يقول في رسالته إلى الشيخ أبي النصر (كتابي أطال الله بقاء الشيخ، والماء إذا طال مكثه، اظهر خبثه، وإذا سكن متنه، تحرك نتنه).
كذلك الضيف يسمج لقاؤه، إذ طال ثواؤه، ويثقل ظله، إذا انتهى محله. قد حلبت اشطر خمسة اشهر بهراة ولم تكن دار مثلى لولا مقامه. ونجده: في رسالة أخرى يشكو حيفا أصابه في هراة.
(والله، أطال الله بقاء الشيخ الرئيس، ما سكنت هراة اضطرارا، ولا فارقت غيرها فرارا. وإنما اخترتها قطنا ودارا، واخترته سكنا وجارا، لتكون ارفق لي من سواها، ولأزداد به عزا وجاها. فان كان قد ثقل مقامي، فالدنيا أمامي، وان كان قد طال ثوائي، فالانصراف ورائي. لست والله ذباب الخوان ولا وتد الهوان. والشام لي شام، مادام يكرهني هشام،