وهراة لي دار، ما عرف لي فيها مقدار، وقرى الضيف غير السوط والسيف الخ) فهذا يدل على انه غير مطمئن إلى هراة وإن أختارها سكنا. ونجده في الديوان يقول من قصيدة مدح فيها ابن عدنان رئيس هراة.
قد طال مكثي في هراة فهل لكم ... في أن أوليكم قفا الأعراض
ولو أنني ماء الحياة لملني ... ورداه وتنكبوا أحواضي
أحسنتم يا للكرام ضيافتي ... عند الورود فاحسنوا إنهاضي
ولكن بديع الزمان، على هذا ألقى عصا التسيار في هراة واتخذها موطنا وأمضى بها بقية عمره. فما الذي بدّل رأيه وحبب إليه المدينة؟ يقول الثعالبي:(ومازال يرتاد للوصلة بيتا يجمع الأصل والفضل، والطهارة والستر القديم والحديث حتى وفق التوفيق كله وخار الله له في مصاهرة أبي علي الحسين بن محمد الخشنامي. وهو الفاضل الكريم الأصيل الذي لا يزاد اختبارا إلا زيد اختيارا. فانتضمت أحوال أبي الفضل بصهره، وتعرفت القرة في عينه والقوة في ظهره. واقتنى بمعونته ومشورته ضياعا فاخرة، وعاش عيشة راضية.
وفي رسائل الهمداني تصديق خبر الثعالبي، فهو يقول في إحدى رسائله من هراة (والله لولا يد تحت الحجر، وكبد تحت الخنجر، وطفلة كفرخ يومين، قد حببت إلى العيش، وسلبت عن رأسي الطيش، لشمخت بأنفي عن هذا المقام (ص١٦٢) وهو يتكلم في رسائل هراة عن الزرع والاكرة والخراج وديونه على الناس والسفاتج (والشأن أن أعيشعيش الجعل، بين السرقين والعمل، وأنا على ذلك محسود. . . أرأيت رجلا يندم أن ولده آدم، أو يألم أن يسعه العالم، يحسد في قرية يشتريها وفي رسالة إلى بعض وزراء السلطان محمود: ومما أبث الشيخ الجليل، إن مبلغ خراجي بهراة ألفان. وعلى المخف من الجريان ثلاثة مدورة، بيض مقشرة، وعلى المثقل تسعة وعشرة. وودت لو أمكن التبلغ بأقل من هذا فافعل ولكن أفواها فاغرة، وأضراسا طاحنة، وعيالا وأذيالا، الله وكيلهم وأنا ربهم واكيلهم. وإن أمكن تحويل هذا المقدار من الخراج ببوشنج لتتوفر حقوق بيت المال، وأصان عن مجازفات العمال، وتبعات الحال، فتلك غاية الآمال وفي رسالة إلى والده: وقد رسمت لموصل كتابي هذا أن ينقده مائة دينار بشرط أن يخرج، وان يرتب له عمارة شتوية تسعه والشيخ الفاضل العم، فليتفضلا وليقوما ويرحلا، ويستصحب الأخ أبا سعيد، وليأتني بأهله