أجمعين فما يعجبني لقاء ليس له بقاء، ولا وصل بعده فراق، فان لم يمكن استصحاب القوم فلا يتأخر بنفسه، فسيرد على خمسمائة نير وألف أكار، وأحوال منتظمة، وأسباب مستقيمة).
ومن اجل هذه الثروة قصده الناس واستماحوه. وفي رسائله واحدة كتبها إلى مستميح عاوده مرارا: عافاك الله: مثل الإنسان في الإحسان مثل الأشجار في الأثمار. سبيل من أتى بالحسنة أن يرفه إلى السنة. وأنا كما ذكرت لا املك عضوين من جسدي، وهما فؤادي ويدي. أما الفؤاد فيعلق بالوفود، وأما اليد فتولع بالجود. ولكن هذا الخلق النفيس، لا يسعه الكيس، الخ.
وفاة بديع الزمان
كان الهمداني يتعجل العمر ويستكثر السنين فهو يتكلم عن الشيب في مدحه خلف ابن احمد وهو في سن الخامسة والعشرين
ويرحب بالشيب ويفضله على الشباب وهو في سن الثلاثين: فجزى الله الشيبة خيراً، إنها لاناة، ولا رد الشبيبة إنها لهناة وبئس الداء الصبا وليس دواؤه إلا انقضاؤه، وبئس المثل النار والعار وونعم الرائضان الليل والنهار. وأظن الشباب والشيب لو مثلا لكان الأول كلبا عقورا، والأخر شيخا وقورا، ولأشتعل الأول نارا وانتشر الآخر نوراً. والحمد لله الذي بيض القار وسماه الوقار. وعسى الله ان يغسل الفؤاد كما غسل السواد. أن السعيد من شابت جملته، والشقي من خضبت لحيته) وفي رسالة أخرى: وأسال الله خاتمة خير وعاجل وفاة. إن بطن الأرض أوسع من ظهرها وأرفق بأهلها.) فهذا ينم عن طبع مكتئب وصدر يضيق بالحياة وكأن وفاته في سن الأربعين كان استجابة العمر لهذه السجايا.
في رسائله رسالتان يذكر فيهما مرضه، يقول في إحداهما (وقد عملت في أمر الدواء ما أشرحه له شفاها. وجملة الأمر أني أؤمل النفع في تناوله، وحالي الآن صالحة) ويقول في الأخرى (ولكني وقيذ أوجاع، أنتقل من حمى إلى صداع. وأخشى أن يأخذ مني لفح الهواء مأخذه، فلذلك لا ابرز عن البيت، وأنا فيه حي كميت. وعلى كل حال فإذا خفت وطأة الهواء، وحان وقت المساء، لعبت لعباتي إلى حضرته، متزوداً من طلعته إن شاء الله تعالى) وما أدري متى أصابه هذا المرض وهل كان مرضه الأخير أو غيره.