اللائق بها لو لم تكن قد ضحت بحريتها في سبيل ذلك المنطق السقيم الذي أشرك الصحفي في مسئولية رجل السياسة.
إن واجب الصحافة الأول لينصرف نحو الشعب ونحو الشعب فقط، لا إلى أي وزير أو أية حكومة قد يتهيأ لها أن تشغل المنصب لوقت محدود. وهي لو فكرت أو عملت على خلاف مقتضى هذا الواجب لساقها ذلك إلى أن تقف في مفترق الطرق حيث تنحدر من أوج الاستقلال والحرية إلى الحضيض من الاستعباد الدكتاتوري.
إن ما أصبحنا نواجهه من شأن حيوي يتهدده الخطر، هو من صميم الفارق المميز بين النظر الحر والنظر الاستبدادي في الحياة السياسية. والمميز بين الحرية الشخصية المهيبة الجانب، التي ينعم بها أعضاء مجتمع حر ينظرون إلى (الدولة) باعتبارها مجموعاً كلياً للوظائف الإدارية العامة التي يوفدون لها الوزراء ويهيئون لها الإدارات التنفيذية - وما يراه النظر الاستبدادي الفاشي أو النازي في الدولة باعتبارها (قوة مطلقة) وغاية في نفسها ووكالة شبه مقدسة تنعم بها الحكومة التي يخضع، بل يجب أن يخضع لها المجتمع بجميع أعضائه وأفراده. وما إن تقبل وجهة النظر الاستبدادي في أمة من الأمم - حتى ولو كان هذا القبول على سبيل اللهو أو العبث - إلا واستتبع ذلك حتما أن تسترق الصحف استرقاقاً كلياً أو جزئياً، وعلى النقيض منذ لك يتوفر الضمان الوحيد الأكيد لحرية الصحافة متى نبذت النظر الاستبدادي في كلياته وجزئياته، ومتى عملت على تدعيم سلطان الشعب وجعل الأمة مصدر السلطات جميعا بحيث يعلو شأنها على كل اعتبار بين المواطنين الأحرار الذين يسعهم، وقد توافرت لهم المعرفة التامة بما جريات الأمور على يد صحافة رشيدة غير هيابة، أن يكون نصيبهم من الكفاية المرنة أوفر حظاً مما يحصلون عليه تحت لواء أية حكومة استبدادية مهما تهيأ لها من إطلاق اليد ونفوذ السلطان. وقد يخلص لنا ونحن نأسف له ونتوجع عليه أن رجال الصحافة والسياسة في بريطانيا هم على السواء بحاجة إلى أن يتعلموا مبادئ الفلسفة السياسية.