ونحن لو قررنا أن هذا الأسلوب من اغتصاب السلطان كان في مظهره أو نوعه نتاج الانتخاب الحر في الأمة. وأسوأ من ذلك لو أننا قررنا أن تلك السلطة غير المألوفة التي حصل عليها رئيس جمهورية فرنسا قد منحت له عن طريق ما ظهر من إجماع الرأي العام في فرنسا على اختياره. . . نقول لو أننا قررنا شيئاً من ذلك لكان في الواقع ما قررنا سبة للشرف الفرنسي ومعرة للقومية الفرنسية.
والحق أن أولئك الذين يقولون مثل تلك الأقوال أو يصدقونها يعاملون فرنسا الأبية الباسلة كما يعاملون جيشاً من العبيد فرض عليه أن يختار عاهله المخوف ليضع رأسه تحت أقدامه.
إننا لو وضعنا في المقال المتقدم اسم (موسوليني) أو (هتلر) بدلاً من (رئيس الجمهورية الفرنسية) لوجدنا أن ما قررته التيمس عام ١٨٥٢ قد صار منطبقاً على تلك الحال التي انتهى إليها أمر الشعبين الإيطالي والألماني في هذا الربع الثاني من القرن العشرين. ونحن إذا قارنا بين لغة ما يتولى قيادة بلادنا من هذه الصحف اليومية العريقة في مناقشتها (للأعمال الطائشة) التي انتهت بذيوع الاستبداد في الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية بلغة التيمس عام ١٨٥٢ لما انتهت بنا المقارنة إلى ما يشرف صحافة اليوم في إنجلترا أو يطمئننا على الثقة فيها. والغالب إن لم يكن هو الوضع الدائم من أمر أصحاب صحفنا الكبرى ورؤساء تحريرها أنهم قد استحوذ عليهم شيطان نظرية دربي القائلة بأنه (إذا ساغ للصحفي أن يطمح في أن يقاسم السياسي سلطانه فعليه أن يقاسمه أيضاً نصيبا من مسئولياته) وحسبوا سرابها ماء فضلوا السبيل اللهم إلا صحيفة أو صحيفتين من كبريات صحفنا اليومية. ولو كانت هذه النظرية مما يجعل الأخذ به أو يصح قبوله لما كان للصحف البريطانية من شفيع في التمرد على ذلك الطلب الذي بسطه لها الهر هتلر في شهري فبراير ومارس من عام ١٩٣٨ القائل بأنه لدوام العلاقات الطيبة بين الحكومتين النازية والبريطانية يلزم الأخيرة أن تبسط سلطانها على الصحافة البريطانية فتمنعها من نشر الأخبار أو الآراء التي لا يرغب فيها عاهل ألمانيا. ولقد كان بوسع الصحافة البريطانية على العموم أن تنزل منزلاً كريماً وتشغل مركزاً متيناً يتهيأ لها فيهما أن تتأبى في عزة وأنفة قبول مثل هذه المقترحات التي انطوى عليها طلب الهر هتلر، وترفضها بالاحتقار