للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم ألفت كتابي (ساعات بين الكتب) وهو غير الكتاب الذي طبع بعد ذلك بهذا العنوان. فإنما كان الكتاب الأول تعليقات القراءات التي تفرغت لها وأنا مقيم في أيام الحرب الماضية بأسوان، ولم يكن مجموعة مقالات أو فصول نشرت في الصحف كالكتاب الذي يحمل الآن هذا العنوان

لكن المذكرات اليومية نوعان وليست بنوع واحد؛ فهذا الذي ذكرته مقصور على الفكر والقراءة كأنه فصول صغيرة أو موضوع متفرق في عدة صفحات، وهو النوع الذي أكثرت من الكتابة فيه، وعندي منه الآن مجموعة صالحة في انتظار الطبع كما هي، أو في انتظار التوحيد والتأليف، لأنها تصلح لهذا وذاك

أما النوع الآخر وهو المذكرات عن حوادث الحياة وعوارضها فلم اشرع في الكتابة فيه إلا مرة واحدة طالت بضعة شهور، ثم مزقت ما كتبت وأحرقته ولم أعد إلى تجربة الكتابة في هذا النوع مرة أخرى، ولعلي لا أعود

ولكني لا أحكم على أدب اليوميات كله بالتمزيق والإحراق من أجل أنني اضطررت إلى تمزيق ما كتبت وإحراقه؛ لأن أسبابي غير أسباب الآخرين، وموانعي غير موانعهم، والمحظورات التي أتقيها غير المحظورات التي يتقونها

فالواقع أنني من أرغب الناس في قراءة اليوميات والانتفاع بها، وهي في اعتقادي أنفع القراءات للمؤرخ والمستطلع لأحوال الأمم وسرائر النفوس، ولاسيما المكتوب منها بخلوص نية لا يشوبها التكلف والرياء، ومعظم كتاب اليوميات ممن يتوخون خلوص النية وصدق الرواية عندما يخلون إلى صفحاتهم الخفية، لأن المسألة عندهم (ظاهرة نفسية) أشبه بالتوجه إلى محراب الاعتراف وكأنهم يخففون أعباء ضمائرهم بإلقائها عنهم في صفحات مسجلة يرجعون إليها ويؤمنون بصدقها وأمانتها، كما يخفف الإنسان أعباء ضميره بالإفضاء إلى صديق أمين؛ فهم مسوقون إلى صدق الكتابة بهذا الشعور العجيب الذي لا يستريح إلى غير الأمانة، وفي هذه الراحة ضمان للقارئ أو ضمان للحقيقة أقوى من ضمان المحاسبة والبينات

ولليوميات أدب مستفيض في اللغات الأوربية عامة وفي مقدمتها اللغة الإنجليزية، وهذا الأدب موضع دراسة المؤرخ والناقد النفساني، والفيلسوف، والباحث العلمي، وكل من

<<  <  ج:
ص:  >  >>