تعنيه سير الجماعات والأفراد؛ يشتركون في دراسته وبحثه تارة لبيان الأسباب التي تدعو الناس في فترة خاصة من الزمن إلى تدوين مذكراتهم والعكوف على أسرار ضمائرهم بمعزل عن الجماهير وشوا غلهم العلنية، وتارة لتحقيق الوقائع واستكشاف دخائل الرجال، ويأتون في جميع هذه التعليلات والتخريجات بما يلذ الوقوف عليه ويفيد!
وما من كاتب يوميات في الحقيقة إلا وهو ظاهرة نفسية كثيرة البدوات والغرائب، كثيرة الجوانب التي تتعلق بها مباحث النفسانيين والحكماء. وقد أشرت إلى طرف من ذلك في مقدمتي للجزء الثالث من مذكرات أحمد شفيق باشا رحمه الله حيث قلت عن يوميات صمويل بيبيز أنها موضع الحيرة عند بعض النقاد، (فلا هم قادرون على أن يجزموا بأنه كتبها لنفسه، لأن الإنسان لا يكتب كل هذه المجلدات وكل هذه الحوادث ليطلع عليها وحده، ولا هم قادرون على الجزم بأنه كتبها للأجيال المقبلة، لأنه كشف فيها أسراراً عن سيرته وسيرة أقربائه، كان معروفاً انه يخفيها اشد الإخفاء ويود لو يتعقبها بالمحو والنسيان)
ثم ضربت لذلك أمثلة شتى منها أن مسألة من المسائل البيتية كدرته فأتلف جميع أوراقها وأسانيدها ثم عاد إلى مذكراته فدون فيها جميع تلك الأوراق والأسانيد بأقصى ما استطاع من إسهاب وتفصيل!
هذا هو العجب، وهذا هو موضع التأمل والدراسة، وهذا الذي يجعل اليوميات مرجعاً صادقاً لدارس الحوادث ودارس الأخلاق.
فآنا لا أدين أدب اليوميات كله لأنني احترقت يومياتي ولم يخطر لي أن أعيد التجربة مرة أخرى
وإنما يباعد بيني وبين كتابة اليوميات أمران كلاهما حقيق بالإثبات لأنهما أيضاً من ظواهر النفسيات وظواهر الفترة التي عشت فيها
وأول الأمرين إنني غير مطبوع على التوجه إلى محراب الأعتراف، لأنه ضرب من الاستغفار لا أستريح إليه، أو لأنني ادخر لنفسي خفاياها وأنزها عن البوح لأحد غير مستثن من ذلك إلا القليل
فالمسألة التي تلعج خاطري وتثير شعوري وتتسرب إلى أعماق ضميري ليس مصرفها عندي أن أسجلها كما هي أو أفضى بها إلى أذن سامع قريب، وإنما مصرفها أن اعبر عنها