في الشعر والكتابة، وأن أعرضها للتحليل والتقليب على وجوه شتى. فإذا حللتها واستخرجت معناها فقد استرحت منها وفتحت مغالقها ولم يبق فيها عندي موضع للمعالجة والاستقصاء
ورب كارثة نفسية من المقيمات المعقدات تسكن كما يسكن البحر الهائج في لحظة واحدة ساعة انتهائي إلى مقطع الرأي فيها، أو ساعة علمي بما ينبغي أن أقابلها به من عمل. وهذا الذي ينوب في طبيعتي مناب الإفضاء والبوح وما أسميه التوجه إلى محراب الاعتراف
أما الأمر الثاني الذي دعاني إلى إحراق يومياتي فهو راجع إلى حوادث الفترة التي نعيش فيها لا إلى البواعث الخلقية
وخلاصة إنني دونت تلك اليوميات لأستعين بها على تاريخ الفترة وتحليل أخلاق رجالها. ثم رأيت في أثناء الثورة الوطنية وبعدها بقليل أن ملفقي التهم ومدبري المكائد يستعينون بأمثال هذه اليوميات على طبخ القضايا وإحراج الأبرياء، وظهر لي أن إثبات ملاحظاتي على رجال الفترة من العسر بمكان مع تعرض اليوميات للمصادرة والسؤال، فآثرت إحراقها أيام اشتداد المحكمات والمصادرات وأحرقت معها رسائل شتى وصوراً وأوراقاً لها في حياتي الخاصة اثر لا يزول، وفاتني بإحراق هذه وتلك نفع كبير في مراجعة الحوادث التاريخية وصيانة الذكريات النفيسة، ولكنه اقل من الضرر الذي كنت متعرضاً له ومعرضاً له غيري لو أبقيت عليها وحدث ما كنت أتوقعه بسبيلها
على أنني ودعت كتابة اليوميات ولكني لم أودع كتابة المذكرات أو كتابة ما يقول عنه الأديب صاحب الخطاب انه قصة من الحياة الشخصية والأدبية والسياسية تكون درساً مفيداً لشبان هذا الجيل والأجيال المقبلة
ففي نيتي وأمام ذهني كتاب كبيراً كسره على أجزاء منفصلة وأفرغ كل جزء منه لناحية مستقلة تتناول حياة الأديب وحياة الصحفي والنائب والسياسي معاً وحياة الإنسان في خاصته وعامته وحياة الباحث عن نفسه وكونه وإلهه وسائر ما يتصل بالعقيدة والسريرة الدينية
ويخيل إلى أنني لو فرغت سنة واحدة مكفي المؤونة استطعت أن أفرغ من أجزاء هذا الكتاب كلها بغير عناء كبير، لأن أصوله وموضوعاته قلما تحوجني إلى مراجعات تفصيلية