الإنسان البائد بلا شك! هو غيره في علمه وإدراكه للطبيعة وتذليله لعقبات الحياة واضطلاعه بأدوات تحقيق الاحتياجات وتفتيحه لكنوز الأرزاق والأقوات
فكيف يرضى أن يحمل ذات قلبه القديم وغرائزه كما كانت وان يحمل غشاوات القرون الأولى ليعيش بها في عصر الانكشاف والظهور والقدرة الفائقة؟!
كيف يرضى من ملك زمام اليابس والبحر وذرع الأرض بالطول والعرض، ونبش كنوزها أن يعيش بأساليب الذي كان لا يعرف غير طريق القرية أو النجع أو الجزيرة التي يعيش فيها؟
إن تلاميذ المدارس الابتدائية اصح علماً عن الأرض والطبيعة من سقراط وكونفوشيوس وأرسطو وابن سينا والفارابي وغيرهم من حكماء القدماء؛ فكيف ترضى الإنسانية الحالية أن تعيش حياتها النفسية بأساليب جهلاء عصورهم؟!
إن التاريخ النفسي للحياة الإنسانية ينبغي أن يدرس بعين غريبة عنه ناقدة له في شك وارتياب. فما هو إلا سجل جهاد الناس في سبيل وصولهم إلى حقائق هذا العصر الحالي. فما يليق أن تؤخذ مرحلة من مراحله محطاً يطمئن الناس إليه بعقولهم؛ لأن مراحله السابقة كانت مراحل موضعية ضيقة خاصة بأمة ما من أممه. ولكن أمر أمم الناس الآن أمر جماعة توشك أن تتقارب أهدافها وتشتبك مصالحها وتشتجر اشتجاراً لا خلاص لفروعها منه أبت أم كرهت
هل من المعقول أن نلبس ملابس الحياة الحديثة على الأجساد ثم لا نغير ملابس النفس؟ أنكون قروداً وببغاوات تحكي قضايا العلم الطبيعي بألسنتها وظواهرها ولا تمثله قلوبها ونوازعها؟
هل يكفي من العلم أن يقتني في الحوافظ والذاكرات غير ممزوج ولا مدمج في الأعصاب والأحاسيس والانفعالات، بل يوضع في الرءوس كما توضع التحف والدمى على الرفوف والمناضد للزينة والخيلاء والبيع والشراء عند الحاجة؟
إني أرى العلم ينبغي له أن يكون في كياننا كالماء في أعواد الشجر الحي لا يقف تسربه إليه وتفريع حياته إلا إذا جف واحطب ومات. . . فلا شجر بدون ماء. . .
إن عملية عظيمة في داخل الحياة النفسية الإنسانية ننتظر إجرائها لبناء قلوب حديثة تتلاءم