ومن آثار التاريخ في الحياة العصرية هذا الخلاف العنيف بين الأديان بعد ما سطعت شمس الله الواحد. . . وبعد ما أدرك العقل التناسق والانسجام والتوافق بين قوانين الطبيعة مما لا يمكن أن يكون إلا بإدارة يد واحدة!
ومن آثاره كذلك فيها أننا لا نزال نخضع لمنطق الأمم التي كانت تعيش متحاجذة في سدود وتخوم بين عقولها وأخلاقها ومرافقها، وتجعل الدنيا دنيوات، والإنسانية الواحدة أنواعاً متباعدة، وتجعل من اختلاف الأجناس والألوان واللغات اختلافاً أصيلاً جوهرياً بين الطبائع الإنسانية يبيح هذه العداوة الفاجرة المريرة المخربة للعمران، ويحمل على المبالغة في البطش والطغيان ونسيان الصفات المشتركة بين بني الإنسان
ومن آثاره كذلك أن اكثر الناس لم يدرك بعد مدى الانتقال العظيم والترقي السريع والتفاوت البعيد بين الحياة قبل القرن العشرين والحياة فيه؛ ولذلك لا يزالون يضمرون في أنفسهم اعتقادات متشائمة في الإنسان ومستقبله، ويدينون في الحياة بدين السخط وإطلاق الغرائز الخطرة والآراء التافهة التي يجعل الإنسان يعبر الحياة بدون أن يجتهد في ملء نفسه بأسرار التكوين، وفي إضافة كشف أو اختراع أو منفعة إلى ميراث الحياة الإنسانية. . . وليس هناك شيء اضر على الحياة الإنسانية من نزعة التشاؤم والتبرم والسخط على حاضر الإنسان ومستقبله!
ومن آثاره كذلك أننا رضينا أن نعيش أكثرنا جاهلا أمياً لا يفقه مبادئ العلم والحياة التي في رءوس العلماء مع أن نمو تلك الأسرار يتغير كل صباح ومساء. . . وكأننا بذلك وأدنا هؤلاء الأحياء ودفناهم كما كانت تفعل جاهلية العرب بموءودة الأجساد. . . وكان هذا الإهمال منا بمثابة فعل من رأى أهله يموتون ظمأ واحتراقاً، وهو على علم بمنبع ماء غزير يطفئ غلتهم ولوعتهم ويحي نفوسهم ولكنه لا يسعى إلى إنقاذهم. . .
ومن آثاره كذلك إننا نعيش في ذهول عما يحيط بحياة الإنسان الآن من كنوز تتفتح وأعاجيب تخترع، فترى الناشئ منا ينشأ بين القطارات والسيارات والطيارات والراديو والتليفون والغواصات والفونوغراف والفوتوغراف والسينما وغير أولئك، ثم يجهل أمرها وتركيبها ولا يدري عنها شيئاً ولا يكلف نفسه سؤال أحد عن نبئها العظيم. . . كأن ذلك