للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والنبوات الدائمة التي لا تحتمل جدلاً أو مخرقة!

وكان من نتائج ذلك أن وجد المصلحون في كل عصر ركاماً من الغباوات والجهالات توضع في طريق دعواتهم إلى الإصلاح والعلم وفتوح الذكاء ونور البصيرة. . .

ليس قبيحاً جداً بالطفل أن يعترك مع اخوته على شيء يريده لنفسه ويريدونه لأنفسهم، فيتصايحوا ويتضاربوا ويحطموا ما أمامهم؛ لأن الطفل يعيش بالغرائز، فهو أناني ضيق التفكير لا يدري أن أباه يملك الكثير، ولا يفهم فضيلة الإيثار إلا بعد التمييز والتدريب

ولكن ما بال الأمم التي رأت خيرات الله تملأ فجاج الأرض تتقاتل على البحر الزاخر والحقول الممرعة والجو الواسع؟ إن ذلك من أخلاق الطفولة وضيق آفاقها وتحكم الغرائز في حياتها، وهذه صفات وجدت لها في مخلفات التاريخ مبررات وحججاً وتأريثاً!

ومن العجائب انهم يدمرون ما يسعون إليه من الغنى والثروة حين تثور غرائزهم! وان الحقد والشر والطمع لتستنفذ وتهلك من مال الأمم الأثرة الجشعة، ومن بذلها الدم الفياض ما لا يمكن للخير والسلام والإحسان والتعاطف والتفاهم أن يستهلكه أو يستهلك عشر معاشره!!

ونظرة واحدة إلى النفقات اليومية للأمم المتحاربة الآن تكفي في البرهنة على هذا وعلى أن الإنسانية ما دامت مصروفة عن طاعة الحق والعدالة والحسنى، إلى تحكيم الغرائز الدنيا والانحدار في مجرى التاريخ، فسوف تظل هكذا تعمر لتدمر، وتعلم لتجهل، وتتقدم لتتأخر

وكأن المقصود بحياة الإنسان إذا استمر على هذا هو تحقيق مشتهيات الغرائز وإظهار عبقريات النفس البشرية في التخريب بعد التكوين: فهي طوراً تبني وتعيش في صفات البناء وأخلاقه، وطوراً تهدم وتعيش في أخلاق الهدم وصفاته، لتدرك معالم الضدين المتقابلين الأبديين: الخير والشر. . .

ولكن إن صح هذا كتعليل لحياة الشر في الماضي حين كانت الحياة محتاجة إلى دوافع الغرائز لتدريب الإنسان في طفولته على ما تهيئه له الأقدار في مستقبله ولحمله على الاقتحام والكشف وتفتيق الحيلة، وحين كانت نتائج ثورات غرائزه محدودة ضيقة لا تتعدى أضرارها إلى هدم أصول الحياة وتحطيم أسس الاجتماع ومخلفات الإنسانية ذات الحرمات والقيم التي لها اعتبارها، كما هي الحال الآن في نتائج هذه الحرب. . . فلن يصح الآن هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>