والخير معقود على نواصيها. وهؤلاء فرسانها لا يستطيعون لها كبحاً، فتفزع تدخل بهم الساحة مسرعة، كأنها تأبى إلا أن تأخذ نصيبها في موكب الصباح، ولكنها ترتد سريعة جامحة، كأنها من نيران أمامها خائفة، وما هي إلا ذات الخلخال، لا تزال في الساحة قائمة، لم تترك مكانها، فكيف إذن للخيالة أن تستبيح الميدان؟
لما أن رأتهم مندفعين، وقفت وقفتها تكشف فيها لهم عن القسي والسهام، فأدركوا ما قد يصيبهم من كبوات وغرام، وخافوا على أنفسهم وخيلهم من الذي والضرام، وهكذا ارتدوا خائفين وهم هم السادة الشجعان، من الخيالة والخيل والفرسان.
حتى إذا هدأ الروع، واستقر الفؤاد، عادوا بعدئذٍ إلى الساحة مطمئنين، بل كراماً نازلين، يدورون ويدورون، يلعبون (ويتفرسون)
والخيل تمزع مزعاً في أعنتها ... كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد
وللخيل صيحات وللفرسان صيحات
وهكذا بين جمال وجلال وكر وفر، وصهيل وتهليل، تسود البطولة أجواءنا، وتملك النعومة أرواحنا. . .
حتى إذا بلغت نشوة الفرح حدها، وضيافة الصبح سمتها، وأذن مؤذن الركب بالرحيل، وأخذ القوم يعودون في هدوء آسفين، ونحن من ورائهم كذلك آسفون؛ وخلا المكان، وانفض السكان، وإذا بي قد شردت من حالي دون أن أبرح مكاني، وإذا بي يشتد شأني دون أن اترك شأني، وإذا بي أرى مغزلي بجواري فألجأ إليه عنده خلاصي
وإني وقد آخذ مقامي من هذا الريف النظيف، أبدأ كل يوم فيه بما قد هويته صغيراً، ولا أزال أهواه كبيراً:(غزل) الصوف بهذا المغزل القديم المعروف؛ إذ أجد للفكر إذا ما شرد، وللنفس إذا ثارت، راحة وسكوناً مع دورات هذا المغزل الأنيق الرشيق العتيق
وإنك لتراه يتدلى في الفضاء دائراً دائراً، معلقاً في خيط رفيع دائماً؛ ينساب من بين أنامل ماهرة، قد تكون كذلك ناعمة، تجعله خيطاً رفيعاً ناعماً، تتجلى فيه دقة الصنعة إذا ما جعلته رفيعاً رفيعاً، متيناً متيناً
تراه محملاً مثقلاً، معلقاً في ذلك الخيط المتين الرفيع، كما يتعلق الهائمون الشاردون بالأمل في خيط منه وحيد رفيع