وإن كان لجأ آخر الأمر إلى ملك الفرس فإنما كان ذلك اضطراراً منه، لأنه رأى وطنه يطارده في كل مكان راغباً الفتك به، فتخلص من هذا وهرب حيث قابل ملك الفرس الذي أغدق عليه النعم والعطايا، وشأنه في هذا لا يختلف عن شأن غيره من كبار اليونان الذين كانوا يضطرون إلى خدمة ملك الفرس حينما يرون بلادهم تنصرف عنهم وتسحب ثقتها منهم، ونحن بعد هذا لا نستطيع أن نعتبر التجاءه إلى الفرس خيانة منه لبني قومه، وإنما كان ذلك لرغبته في الحياة والإبقاء عليها. وكيف السبيل إلى كسب العيش ووطنه قد نفاه وشرده حتى أصبح لا يجد مكاناً يلتجئ إليه عند اليونان على سعة بلادهم وامتداد أطرافها. وقد يلومه بعض الناس على هذا الالتجاء إلى ملك الفرس ولا يبرئونه من تهمة خيانة وطنه، إذ لو كان بريئاً حقاً من هذه التهمة لقدم نفسه إلى المحاكم وهي تفصل في ذلك حتى ترجع الحق إلى نصابه، ولكن غاب عن هذا الفريق أنه لم تكن توجد محاكم في أثينا بالمعنى المعروف لدينا في الوقت الحاضر، وإنما كان الفصل في قضايا الخيانة العظمى راجعاً إلى الشعب وحده، ونحن نعلم ما كان عليه الشعب الأثيني من تهور واندفاع حينما تعرض عليه القضايا السياسية التي تتطاحن فيها المصالح وتتنازع عليها الأحزاب؛ كلا! لم يكن ذلك في استطاعة تيموستوكل ولم يكن هذا الالتجاء إلى ملك الفرس خيانة بالمعنى الصحيح، فهو يعتبر من غير شك خطأ ولكن لهذا الخطأ أسبابه ومبرراته التي تجعلنا لا نغلو في الحكم عليه. وكيف نغلو في الحكم على تيموستوكل وكلنا إعجاب بما قام به من أعمال يعجز عن القيام بها كثير من أفراد البشر؟ ألم يتعهد بلاده في وقت الخطر ويعدها خير إعداد للمعركة الفاصلة؟ ألم يحرز لها نصراً حاسماً أبعد عنها الخطر الفارسي إلى زمن طويل؟ ألم يكن هو من الأشخاص الرئيسيين الذين شجعوا على تكوين حلف ديلوس ونحن نعرف أن هذا الحلف تطور فيما بعد حتى أصبح إمبراطورية تعرف في التاريخ القديم بالإمبراطورية الأثينية البحرية؟ ألم يعمل بعد ذلك على التأسيس والإصلاح وإزالة الخرائب والأنقاض ببناء الأسوار وإقامة التحصينات، حتى أصبحت أثينا ومعها بيريه قلب بلاد اليونان بل ومركز الحضارة اليونانية حتى قال عنها بركليس (إنها أصبحت مدرسة اليونان جميعاً)؟ ألم يؤسس لأثينا هذا الأسطول البحري العظيم الذي جعلها دولة بحرية بعد أن كانت دولة برية والذي كان العماد الذي تعتمد عليه الإمبراطورية الأثينية؟ قام