آخر حين لا تلزم الإنارة. ويقال أن اللصوص كثيراً ما يشعرون بالشعلة في الوقت المناسب فيتفادون مقابلة حاملها. وعقوبة من يقابله الشرطي بلا نور هي الضرب. وقلما يحاول المقاومة أو الهرب. وكان لرئيس الشرطة سلطة مطلقة في ضرب عنق أي مجرم أو مذنب بلا محاكمة حتى ولو كان القانون لا يعاقبه بالإعدام. وكذلك كان له مرؤوسون كما سترى بعد. وقد ندر في السنوات الأخيرة مباشرة هذه السلطة. وأعتقد أنه لم يعد يسمح لهم بذلك الآن. ويقوم أعوان الضابط بدورتهم الليلية مع الجنود لأنهم أحسن معرفة منهم بمخابئ اللصوص والأشرار ومناهجهم. ويندر أن يباشر الضابط نفسه سلطة تخرج عن حد القرع أو الجلد.
كثيراً ما يتخذ رؤساء الشرطة وسائل غريبة مثل التي نراها في بعض قصص ألف ليلة وليلة لاكتشاف المجرم. وأذكر هنا حادثاً لا يختلف في صحته أحد على سبيل المثال. وسأرويه بالطريقة التي سمعتها: قصد ذات يوم رجل مسكين أغا الشرطة وقال له: يا سيدي، أقبلت إلي اليوم امرأة وقالت لي: خذ هذا القرص ودعه في حيازتك وقتاً وأقرضني خمسمائة قرش. فأخذته منها، يا سيدي، وأعطيتها الخمسمائة قرش وانصرفت. وبعد انصرافها قلت لنفسي: لأنظر إلى هذا القرص، وتأملته فإذا هو من النحاس الأصفر، فلطمت وجهي وقلت: سأذهب إلى الأغا وأقص عليه قصتي عسى أن يحقق هذه المسألة ويوضحها، فليس هناك غيرك من يستطيع مساعدتي في هذه القضية. فقال له الأغا: أصغ إلى ما أقوله لك يا رجل. أنقل ما في دكانك ولا تترك فيه شيئاً ثم أقفله، وبكر في الذهاب صباح اليوم التالي، وبعد أن تفتح دكانك صح قائلاً: يا حسرتاه على أموالي! ثم خذ في يديك مدرتين وأضرب نفسك بهما وصح: يا أسفا على أموال الناس! فإذا سألك أحد: ماذا حدث فقل له: ضاعت أموال الناس، فقدت رهناً كان عندي لامرأة، لو كان ملكي لما انتحبت هكذا. هذا كفيل بأن يكشف لنا الأمر. ووعد الرجل بتنفيذ ما طلب منه، فنقل كل ما في دكانه. وفي بكرة اليوم التالي ذهب إلى دكانه وفتحه وأخذ يصيح: يا ويلاه على أموال الناس، وأخذ مدرتين وضرب نفسه بهما وجعل يدور في أنحاء المدينة صارخاً: يا حسرتاه على أموال الناس! ضاع رهن لامرأة كان عندي، لو كان ملكي لما أهمني. فسمعت المرأة التي رهنت القرص صياحه وتبينت أنه الرجل الذي خدعته، فقالت لنفسها: اذهبي وارفعي