دعوى عليه، وذهبت إلى دكانه راكبة حماراً لتكسب نفسها أهمية وقدراً؛ وقالت له: يا رجل، أعطني ما لي عندك؛ فأجابها: ضاع، فصاحت: قطع الله لسانك! هل أضعت مالي؟ لأذهبن إلى الأغا ولأخبرنه بذلك، فقال لها: أذهبي! وذهبت إلى الأغا وسردت شكواها، فبعث الأغا في طلب الرجل. فلما جاء قال للمشتكية: مالك عنده؟ فأجابته: قرص من الذهب البندقي الأحمر، فقال الأغا: يا امرأة، عندي هنا قرص ذهبي أود أن أريك إياه، فقالت: أرينيه، يا سيدي، فأنني أعرف قرصي. فحل منديلاً وأخذ منه القرص الذي رهنته، وقال: انظري. . . فنظرت إليه وعرفته. . . فطأطأت رأسها. وقال الأغا: ارفعي رأسك وأخبريني أين نقود هذا الرجل؟ فأجابت: يا سيدي، إنها في بيتي. فأرسل معها إلى المنزل السياف مجرداً من سيفه، وعادت بكيس فيه النقود، وأعيدت الخمسمائة قرش إلى صاحبها. ثم أمر الأغا السياف بأخذ المرأة إلى الرميلة، وهي مكان فسيح مكشوف اسفل القلعة، ليقطع رأسها هناك ونفذ الأمر!
أما أسواق القاهرة والموازين والمكاييل، فتخضع لمراقبة المحتسب، وهو يجوس من حين لآخر خلال المدينة، يتقدمه عامل يحمل قسطاطاً كبيراً، ويتبعه الجلادون والخدم. وهو يمر على الدكاكين والأسواق واحداً واحداً، وأحياناً يتفقد واحداً هنا وواحداً هناك، فيفحص الميزان والأوزان والأكيال، كما يستفهم عن أثمان المؤن من مأكولات وغيرها. وكثيراً ما يستوقف خادماً ما يقابله صدفة في الطريق حاملاً مأكولات قد اشتراها، فيسأله عن ثمنها ووزنها. فإذا تبين له أن البائع استعمل موازين أو مكاييل مغشوشة، أو طفف الميزان أو زاد على سعر السوق، انزل به العقوبة في الحال. والعقوبة العامة هي الضرب أو الجلد. ورأيت مرة رجلاً تنفذ عليه عقوبة مختلفة لبيعه خبزاً ناقص الوزن: خرم أنفه وعلقت فيه كعكه بطول الشبر وبسمك عرض الإصبع، وجرد من ثيابه إلا قطعة من الكتان حول صلبه، وشد، وذراعاه خلفه وقدماه فوق قاعدة صغيرة، إلى قضبان شباك من شبابيك جامع الأشرفية في أهم شوارع المدينة، وبقي كذلك حوالي ثلاث ساعات معرضاً لأنظار الجمهور المحتشد وأشعة الشمس المحرقة
وكان ممن عين محتسباً - بعيد قدومي الأول إلى مصر - رجل كردي أسمه مصطفى كاشف، تولى سلطته بأقسى الطرق، فكان يقطع شحمة الأذن أو طرفها لجرم مهما صغر