للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولغير جرم. وفي مرة قابل رجلاً شيخاً يقود حميراً محملة بطيخاًفأشار المحتسب إلى واحدة من أكبرها حجماً وسأل عن ثمنها. فأمسك العجوز شحمة أذنه وقال: اقطعها يا سيدي! فأعاد عليه المحتسب السؤال مرة بعد مرة فكان الجواب واحداً. فاغتاظ المحتسب ولكنه لم يتمالك أن ضحك، وقال: (هل أنت مجنون أو أصم)؟؟ فأجاب العجوز: (لا، لست مجنوناً ولا أصم، ولكني أعرف إنني إذا قلت ثمن البطيخة عشرة فضة فستقول: (اقطع أذنه). وإذا قلت خمسة فضة أو فضة واحدة فستقول: (اقطع أذنه). لذلك اختصرت الأمر وقلت اقطعها ودعني أتبع طريقي). ولم ينجه إلا ما في تهكمه المفاجئ من فكاهة

كان قطع الأذن هو العقوبة العادية التي يوقعها هذا المحتسب، ولكنه اتبع أحياناً طرقاً مختلفة، فقد عاقب جزاراً باع لحماً ينقص عن الوزن الحقيقي أوقية ونصفاً بقطع هذا القدر من ظهره. أمر بتجريد بائع كنافة حصل على زيادة في الثمن تافهة من ثيابه ووضعه على الصينية النحاسية المستديرة حيث تسوى الكنافة وتركه كذلك حتى احترق احتراقاً رهيباً. وكان يعاقب الجزارين بوضع كلابة في أنوفهم يغلق بها قطعة من اللحم. وفي ذات يوم قابل هذا المحتسب رجلاً حاملاً صندوقاً كبيراً صفت فيه قلل فخارية من سمنود وهو يبيعها بوصفها من قنا؛ فأمر أتباعه أن يكسروا القلل على رأسه واحدة واحدة. وكان يظهر طغيانه خارج ولايته؛ ففي ذات مرة خطر له أن يرسل حصانه إلى الحمام، وطلب من صاحب حمام أن يعد العدة لاستقباله والعناية بتحميته وتنعيم جلده. فثقل على صاحب الحمام هذا الأمر العجيب وخاطر بأن قال أن أرضية الحمام من الرخام، وقد ينزلق لجواد فيقع؛ وقد يصاب ببرد عند خروجه، فيحسن لذلك نقل ماء الحمام إلى الإسطبل حيث تباشر عملية الحمام. فقال مصطفى كاشف: (أنى أرى السبب غير ذلك. أنت لا تريد أن يذهب جوادي إلى حمامك). بعض خدمه أن يطرحوه أرضاً ويضربوه بالعصي حتى يأمرهم بالكف. ولم يأمرهم بالكف حتى مات المسكين

ولسنوات قليلة خلت كانت العادة أن يسعى بين يدي المحتسب عند طوافه بالمدينة لفحص الموازين والمكاييل، رجل معه ميزان أكبر حجماً من الميزان المستعمل. ويقال إن قب هذا الميزان كان أنبوبة مجوفة بها زئبق، فكان حامل الميزان يستطيع إذا عرف الذين رشوا سيده أن يرجح إحدى الكفتين بسهولة

<<  <  ج:
ص:  >  >>