للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويشرف على الأسواق العامة المستخدمون المكلفون بمراقبة تجارة الباشا وصناعاته المختلفة. ووظيفتهم كوظيفة المحتسب سواء بسواء. وقد اشتهر بعضهم بارتكاب أرذل أنواع البغي والقسوة. وكان أحدهم ويسمى علي بك (ناظر القماش) إذا وجد أحداً يملك نولاً خاصاً أو صادفه يبيع ما نسجه، يشده في قطعة من هذا النسيج يغمسها في الزيت والقار ثم يعلقه هكذا على فرع شجرة ويوقد فيه النار، فأباد الكثير بهذه الطريقة الوحشية. وقد مات هو نفسه حرقاً في جم غفير أثناء انفجار مخزن بارود بمنحدر القلعة الشمالي سنة ١٨٢٤. وقال صديقي الذي حدثني عن فظائع هذا الوحش: (عندما نقلتجثته لدفنها صلى عليها الشيخ العروسي شيخ الجامع الأزهر يومئذ في مسجد الحسين، وكنت أقوم بالتبليغ خلف الإمام، فلما نطق الشيخ بالدعاء ساد السكوت بين الحاضرين الكثيرين؛ ومضى الشيخ يقول: وكان من الصالحين، فلم يسمع لأحد صوت، فارتبك الشيخ وقال بصوت خافت: ليرحمه الله، ثم قال صديقي مواصلاً حديثه: الآن نستطيع أن نؤكد أن مصير هذا الرجل الملعون إلى جهنم، ومع ذلك لا تزال زوجته تقيم له ختمة في منزلها، وتوقد له كل ليلة شمعتين في مسجد الحسين!)

ولكل حي من أحياء العاصمة شيخ يسمى (شيخ الحارة)، وهو يباشر سلطته للمحافظة على النظام ولفض صغير المشاكل بين السكان ولطرد من يعكر صفو الجيران. وتنقسم العاصمة إلى ثمانية أقسام يرأس كلا منها شيخ يسمى (شيخ النمن)

وكذلك كان لكل طائفة من الطوائف التجارية والصناعية المختلفة في العاصمة وفي غيرها من المدن الكبيرة شيخ يحكم في المنازعات المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة، ويصدق على قبول الأعضاء الجدد

كذلك يخضع خدم القاهرة لإمرة شيوخهم. ويستخدم الخدم بواسطة هؤلاء الشيوخ إذ يشهدون لهم بحسن السلوك مقابل قرشين أو ثلاثة. فإذا ارتكب الخادم سرقة يلزم الشيخ بتعويض السيد، ولو لم يحصل على المال المسروق

واللصوص أيضاً، منذ سنوات قليلة اتخذوا كبيراً منهم شيخاً عليهم، وكثيراً ما كان هذا الشيخ يطالب بالبحث عن المسروقات وتقديم المجرمين لمحاكمة؛ وكان على العموم يقوم بذلك. ومما يستحق الذكر أن هذا النظام العجيب كان سائداً في عهد المصريين القدماء

<<  <  ج:
ص:  >  >>