وفي تلك الآماد من البلاء يلتفت البارودي التفاته جدية إلى ماضي الشعر العربي فيضعه في الميزان ليختار من أطايبه ما يشاء
وهل كان معاصرو البارودي يعرفون من ماضي الشعر العربي مثل الذي يعرف؟
ثم تسمح الدنيا بأن يلقى البارودي وطنه بعد اليأس من اللقاء، ولكن لا يعيش في رحاب الوطن غير أعوام قصار قضاها وهو أشبه بالمكفوف، ولعله لم يمت إلا حين عرف أن القاهرة لن تكون أمام عينيه إلا سواداً في سواد، وكانت لياليها أشد إشراقاً من الصباح
ولم يتسع الوقت فأرجع إلى الجرائد المصرية في أواخر ديسمبر سنة ١٩٠٤، لأعرف كيف كانت جنازة البارودي، وأغلب الظن أنها لم تحمل على مِدفع ولم يشترك في توديعها رجال الجيش رعاية لبعض الظروف الثقال، مع أن البارودي كان من نماذج البطولة المصرية في ميادين الحروب
انتهت دنيا البارودي، وانقضى ما كان يعاني من بوائق الغدر والجحود، وبقى للبارودي ما لم يبق لأمثاله من رجال السيف، بقى شعره المسطور على ضمير الزمان، والشاعر الصادق أخلد من الخلود