بينما هي قد تعقدت وتنوعت في الأمم الأوربية المتقدمة تعقداً مهماً
وتطور البشرية دائماً من بشرية ذات قابلية معينة محدودة، ومن بشرية ذات كفاية مقدرة، إلى بشرية أكثر قابلية وكفاية هي نظرية العلماء الطبيعيين وأصحاب نظرية العالم الإنكليزي داروين والنظرية المعروفة باسم نظرية وهذا التناسق الذي يحدث بمرور الزمن في نظام البشر فيجمع شمل الحياة الإنسانية في محيط معقد معين غير متباين بعد أن كانت الحياة غير متسقة متنافرة، هو التطور المقصود في نظر العالم الإنكليزي هربرت سبنسر وقد صور هذا التطورَ في مدنية الإنسان الفيلسوفُ الألماني هيكل بصورة ملفة من ملفات البردي تنفتح بصورة متوالية كلما انفتح دور في حياة الإنسان المدنية حتى تنتهي بدرجة الكمال أو الإنسانية المطلقة. وقد أطلق على هذا الدور ? وهذا التطور هو من العلامات الفارقة بين الحيوان والإنسان وبين الشعوب المتمدنة وبين الشعوب المتوحشة. ونحن لا نكاد نشعر بظواهر التطور في حياة الأمم الابتدائية والمتوحشة بينما نلمس ذلك بصورة جلية في الأمم المتقدمة التي يظهر فيها التطور كلما تقدمت درجة في المدنية. فوضوح التطور أو غموضه إذاً مقياس يعتبر من أهم المقاييس التي تستعمل لقياس مدنية أمة من الأمم وتقدير منزلتها من بين منازل شعوب الأرض
ولا بد أن يقترن ذلك التطور كما قلنا بالابتكار والإنتاج ويرفع مستوى المعيشة لأفراد الأمة والرفاهية. ولفظه كما يطلق على ذلك الأمريكيون ولذلك يعتبر الرأي العام الإنكليزي نفسه أرقى في المدنية من الفرنسيين لأن الإنكليز أقدر منهم على الابتكار والإنتاج وعلى مجابهة الحوادث، وأكثر منهم قابلية وكفاية بصورة عامة، ودرجة الرفاهية لديهم أعلى من نسبة درجة الرفاهية لدى الفرنسيين
وكلما كان هذا التطور في المجتمع عاماً شاملاً كانت جذور الأمة في المدنية أقوى فيها وأرسخ، وأقدر على مجابهة مشكلات الأمور وحوادث الزمان، وأحكم في السيطرة على أجزاء المملكة وعلى تكوين رأي عام متماسك متقارب فيها لا يندك بسرعة. وهذا هو السر في انهيار بنيان شعوب البلقان مثلاً بسرعة بينما نجد الأمم الجرمانية والإسكانديناوية قوية تقاوم البشر والطبيعة على حد سواء
وهو من العلامات الفارقة بين الحضارات القديمة حتى القرون الوسطى وبعد ذلك، وبين