إن حقوق الصراحة لتوجب علينا القول: إن الأديب السوري الذي يقرزم يعتقد أنه أصبح شاعراً أعظم. . . وإن الأديب الذي كتب مقالة نالت بعض الإعجاب يثق بأنه أضحى المفكر الذي لا يجارى، وإن الأديب الذي أصدر قصة أو قصتين يوقن بأنه أمسى القصصي الذي لا يبارى
ولكن من الحق كذلك أن نسجل أن في سوريا ولبنان أدباء وعظماء تجود قرائحهم - إمَّا طابوا نفساً بالكتابة - بدرر بينة وآيات رائعات، ولكنهم - مع الأسف، والأسف الشديد - يجودون بمقال واحد في السنة، ويصدرون كتاباً واحداً في العشر سنين!
إن هذا الانقطاع عن الكتابة من شأنه أن يخمد حيوية الفكر، ويميت قوى التأمل والنظر إلى بعيد، ويقضي على شبوب العاطفة. أنا لا أدعي أن ليس في الأدب السوري شيء قيم، فمعاذ الله أن يكون ذلك؛ بل أقول إن الذي يصدر كتاباً قيما واحداً لا حاجة له بعد الآن إلى إجهاد نفسه وأتعابها. فقد سلس له قياد الفكر السامي. فليخلد إلى الراحة، وليركن إلى برجه العاجي، وليتنسك ما طاب له في منسكه. ألم يطر عليه كافة القراء؟ أو لم تتشوف إليه كافة المجلات. . .
الحق الذي لا مناص من إثباته هو أن الغرور والزهو والتكبر - تتملك كلها - أكثر أدبائنا؛ فينتجون هذا الإنتاج الضئيل. إن كتاباً واحداً تصدرونه - أيها الأدباء قاطبة - لا قيمة له مهما جل فيه من فكر وسما ما يحوي من آراء
ماذا أفدت أيها الأديب (الساخر. .) الذي يدعي أنه يزجي الوقت كله في مطالعة المؤلفات القيمة وهو لم يصدر - مدى حياته الأدبية الطويلة - إلا كتابين أو ثلاثة!!
وأنت ماذا جنيت أيها الشاعر الذي يقول إنه لا يرتاح ثانية من تصفح دواوين كبار الشعراء وهو لم يطلع الناس إلا على مقطوعات صغيرة، هيهات أن تتجمع ديواناً؟!
وأنت أيها القاص الذي لم يصدر إلا كتاباً واحداً لم يحو أكثر من عشر قصص، أكل ما وقع عليه بصرك من صور حية، ومناظر جمة تثير الفكر، وتمده بالحيوية مثبت في كتابك ذاك؟!
وأما أنت أيها الناسك المفكر، فأفق مما أنت فيه، وأطفئ شمعتك الصغيرة التي لا تومض إلا ومضاً، واخرج إلى الحياة، إلى الشمس النيَّرة. . . اخرج إليها بجسمك وعقلك وروحك