الطفولة ويغدو رجلاً رشيداً، ثم جره ليتزوج ممن أحب، وما زال يجره حتى رأى أولاده تنمو، ونفسه تبلغ أسنى المراتب، وتنال المال الوفير والمجد الرفيع، ثم جره ليجتاز آلام الشيخوخة ويجتنب ثقل وطأتها وأمراضها. . وا أسفاه على هذا العود الأملد النظير! لقد عاش الطفل أربعة أشهر من بعدها ستة أيام على زيارة الجنية له.
لعمرك قل لي ما حد القمار إذا لم يكن الفن الذي يستبق أحداث الطبيعة العاقلة، ويشد تقلبات الأقدار المتئدة التي لا تبرز إلا في سنين وسنين! أليس القمار هذا الفن العجيب الذي يجمع في لمحة من الزمن مختلف الأهواء والميول المنتثرة بين حياة الناس البطيئة الراكدة؟ بلى! إنه سر الوجود ومعنى الحياة نتذوقها في مدى قليل من الثواني القصار، فهو يطاول القدر ويسايره جنب إلى جنب ولعله يشبه صراع يعقوب مع الملك، أو ميثاق الدكتور (فوست) مع الشيطان.
المال مادة القمار؛ ونقصد إنه العلة الضرورية المباشرة ومن يدري! لعل الورقة التي تستبطن، أو الكرة التي تتدحرج، تنفح المقامر اللاعب بالحدائق الجميلة، والحقول المزروعة، والأحراج الفخمة، والقصور المشيدة تشق السماء أبراجها الدقيقة. هذه الكرة المتدحرجة إنما تضم في اطوائها الأراضي الخصبة الواسعة، والدور العامرة تلمع مداخنها المنحوتة في مياه اللوار، إنما تضم كنوز الفن وعجائب الذوق، وجواهر غالية طريفة، ونفوساً كان يظن أن ليس إلى بيعها من سبيل. وعلى الجملة تضم مطارف الزينة والمجد، وشديد القوى ونافذ الأسلحة، ماذا أقول؟ إنها تضم شيئاً أثمن من هذا كله بكثير: تضم الأماني والأحلام، أفتريد بعد هذا ألاّ يلعب المقامرون وألاّ يلهو الهازلون. .؟؟ ولو أن القمار لا يبعث غير الآمال الكبار ولا يبدي إلا بسمة عينيه الخضراوين، لكان الميل إليه خفيفاً نحيفلاً، ولكنما أظافره مصنوعة من ماس، يروع، ويخلع البؤس إن شاء، والحياء حين يريد. . ومن هنا كان القمار إلهاً تقدم له فروض الطاعة ومراسيم العبادة:
يكمن الخطر في الأهواء الملحة العنيفة، أرأيت غبطة شديدة ليس يصحبها خمار أو يعقبها دوار، وإنما تسكر اللذة قد خالطها الفزع، وهل يخيف شئ في الوجود أكثر مما يخيف القمار؟ إذا أعطى أدهش، وإذا أخذ فتش. منطقه يباين منطقنا، فهو أصم وأبكم وأعمى، قادر على كل شئ كالإله، له عباده وقد يسوء الذين يحبونه لذاته لا لثوابه، وأكثر ما