ثم تمضي الدنيا بالطفل الضرير إلى ما لا يريد، فيشيع بعض حاسديه أن يرى ما لا يرى الأزهريون من كفر (الحجاج) وهو أعظم رجل تولى أمور العراق في نظر (العقل) لا في نظر (التاريخ)
ويهان الطفل الضرير لهذه اللمحة الفكرية، فيمسي وهو زنديق في أنفس الأزهريين، وهم أصحاب الرأي الرسمي في الكفر والإيمان، ثم تكون لذلك عواقب يعاني متاعبها إلى اليوم
صور وصفية
في الجزء الثاني من الأيام ألوان من الصور الوصفية، ولا تظهر قيمة هذا الكتاب إلا لمن يلتفت إلى تلك الألوان
وأجمل صور هذا الكتاب ما جاء في وصف الشيخ سيد المرصفي، وهي صورة جدية فصلت شمائل ذلك الشيخ أجمل تفضيل والحياة الأزهرية بمزاياها ونقائصها نالت حظها من التدوين في الحدود التي تصورها الطفل، وقد عاش في بيئة مولعة بتعقب العيوب، وهو لهذا لم ير من الأزهر ورجاله غير ما يؤذي النفس، ويثير البغض، وما نراه يلتفت إلى محاسن الأزهر إلا في أندر الأحيان
وحياة (الرَّبع) ظفرت بألوان لطاف ظراف هي غرة الكتاب، وربما جاز القول بأنها من أطايب الأدب الحديث
والمجون له في هذا الكتاب مكان، ولكنه مجون ملفوف، إلا حكاية (أبو طرطور) فهي من المجون المكشوف، وهو مكروه على أرجح الأقوال!
وعنى الطفل بوصف أخيه عناية فائقة، فصوره في هزله وجده وغضبه ورضاه، بأسلوب يغلب عليه العتاب
وتحدث الطفل عن أبيه حديث اللوم في حين وحديث الحمد في أحيان. أما حديثه عن أمه فهو من أبرع صور الوفاء. ويظهر أنه لم يحب أحداً بلا قيد ولا شرط كما أحب أمه الغالية، ولم يثق بأحد كما وثق بقلبها الرفيق. ولا تقل إن الذوق هو الذي نهاه عن أن يتحدث عنها كما يتحدث عن أبيه وأخيه، فذلك كاتب وصاف قد يستبيح في الخروج على الذوق ما لا يباح، وإنما الوجه أن الدكتور طه لم ير من أمه غير الشمائل الأصلية في الرفق والعطف والحنان