النفس لدى الاتباعيين - والرومانسيون تبع لهم في هذا - هو أن كل ما يخطر بالنفس ويجري فيها واضح أمره لها، لأنها تحسه وتدري بمسراه فيها، فهي تتحكم فيه إذا شاءت بطريق الإرادة، وهي تنظمه بمعاونة المنطق، وتكون النتيجة الحتمية لهذه القاعدة: أنه بما أن النفس في هذا الصدد لا يخفى عليها شيء مما يختلج فيها، إذن فكل ما يجري فيها واضح المعالم والحدود تفصح عنه الأقوال والأفعال وتفسره.
على هذه السنة، سنة الوضوح والإيضاح، يقوم التحليل النفسي لدى الاتباعيين والرومانسيين ومن ينحو نحوهم في كتابة القصص والمسرحية التي هي معارض لنماذج بشرية تتنفس وتتحرك وتعمل فيها.
بيد أن المؤلفين الاتباعيين والرومانسيين، على أخذهم بقاعدة الوضوح هذه في علم النفس، لم يكونوا بمنجاة من التعثر ببعض تلك الحالات النفسية المعقدة التي تبدو النفس خلالها، وكأنها عالم يشوبه الغموض وتتجاوب أصداؤه بالمتناقضات والفوضى
فماذا كان موقف هؤلاء المؤلفين من هذه الحالات؟ كانوا يحاولون التفسير جهدهم ليستخرجوا من الإبهام وضوحاً ومن الاضطراب نظاماً، متجشمين في سبيل ذلك بياناً خطابياً حاذقاً ولهجة منطقية حارة يجرونها على ألسنة شخصيات رواياتهم ابتغاء الإفصاح، ولييسروا على القارئ أمر الانتقال من النتائج إلى الأسباب وبالعكس من غير ما يضطرب المنطق اضطرابة عنيفة، وليقيموا صلة ما بين ما هو معقول ومألوف صدوره عن هذه الشخصيات، وبين ما هو غير معقول وناب من بادرات طارئة وصور ذهنية معقدة في تواردها
وهذه الحالات النفسية المعقدة لدى الرومانسيين، تمتاز عن مثيلاتها لدى الاتباعيين بأنها تكون عادة مبطنة بفورات نفسية طارئة. ومرجع هذا كما هو معلوم، أن الأدب الرومانسي أساسه القلب، فهو يترك الحبل على الغارب للتيارات العاطفية دون أن يمد بينها وبين اعقل الراجح شكيمة ولجاماً، وهذا بخلاف ما هو الأدب الاتباعي
لدى الواقعيين والطبعيين
وفي أواخر القرن الثامن عشر، نزل بهذه القاعدة في علم النفس الكثير من الهزال والتعقيد، فأخذت تتحور على أساس نزعة فكرية جديدة، سداها ولحمتها أن الكائن الإنساني ليس فقط