والأصول التاريخية المخطوطة يمكن لأن نقسم من ناحية تحري النص وتحقيق اللفظ إلى ثلاث حالات. فالحالة الأولى هي أن يكون أمام الباحث الباحث الأصل الأول بخط المؤلف نفسه. ويمكن التأكد من ذلك بملاحظة نوع الورق والحبر وبدراسة خط المؤلف ولغته ومعلوماته من كتاباته الأخرى، إن وجدت. وبتطبيق ذلك على الأصل الموجود يستطيع الباحث أن يستفيد وهو مطمئن من هذه الناحية، من المعلومات التي يوردها هذا الأصل الأول، كما يمكنه أن ينشر هذا الأصل التاريخي لفائدة العلم. إنما ينبغي أن يراعي عند النشر في كل الحالات، إبقاء الأصل الأول كما هو بحروفه وألفاظه وأجروميته وأخطائه الخاصة به، بدون تصحيح أو تعديل في النص نفسه. لأن أي تغيير قد يغير المعنى. وبقاء النص الأول كما هو يساعد الباحث على فهم تاريخ ذلك العصر المعين كما كان فعلاً؛ فيدرك الباحث عقليه رجال العصر وأساليبهم في التعبير، ويلم بتطور اللغة والاصطلاحات التي سادت في زمن مضى
ومن الأمثلة على ذلك ما أورده أحمد الخالدي الصفدي في كتابه عن تاريخ الأمير فخر الدين المعنى من ألفاظ وأساليب عاميه لبنانية محلية مختلطة بالتراكيب العربية، (سبق أهله وجاء حتى يعلم الأمير. . . فوصل بحال الليل إلى باب القلعة ودق الباب على البواب حتى يروح يعلم الأمير. . .). ومن الأمثلة على ذلك أيضا ما ورد في الفرمانات السلطانية العثمانية من التعبيرات الخاصة مثل (قدوة الأمراء الكرام، عمدة الكبراء الفخام، المختص بمزيد عنايت الملك العلام. . .). أو الوثائق المحفوظة في دور الأرشيف الأوربية والتي تحتوي على معلومات مدونة بلغة وأجرومية خاصة بالعصر الذي دونت فيه، مثل , في الوثائق الإيطالية؛ ومثل ألفاظ وو الواردة في الوثائق الفرنسية؛ ومما يخالف ذلك ألفاظ وأساليب ومصطلحات هذه اللغات في الوقت الحاضر. فإذا ما نشرت مثل هذه الأصول التاريخية ينبغي أن تبقى كما هي بغير تعديل.
والحالة الثانية في هذه الناحية من نقد الأصول، هي التي تضيع فيها نسخة المؤلف الأولى، ولا يبقى أمام الباحث إلا نسخة واحدة منقولة عنها. فدراسة هذه النسخة المنقولة الوحيدة للتثبت من صحة ألفاظها ونصوصها تستلزم الدقة والحذر. ومهما كانت دقة الناسخ وأمانته فإنه قد يتعرض للخطأ في النقل. وتوجد أسباب وأنواع للاختلافات التي يمكن أن تلاحظ